تجربة الخان الأحمر الكفاحية، التي لا تزال مستمرة، تؤكد مرة أخرى ان الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولن يفرط بها مهما بلغت التضحيات، وبالرغم أن مسار الصراع لا يزال يسير لغير صالحه. ولمن لا يعرف، فإن معركة الخان الأحمر لم تبدأ قبل أيام عندما جاءت جرافات الاحتلال الإسرائيلي لتزيل عن الوجود بيوت الصفيح لحوالي 330 مواطنا من بدو فلسطين، فهذه المعركة بدأت قبل ذلك بعدة سنوات.

لقد كان هناك إدراك منذ زمن، لدى القيادة الفلسطينية بالأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة (E1) والنوايا الإسرائيلية حيالها. لذلك عملت منذ سنوات وعلى أكثر من صعيد وبالتعاون مع أكثر من طرف دولي من أجل تحصين المنطقة سياسياً. فمن جهة، وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وجهات دولية أخرى، عملت على تثبيت وترسيخ وجود هؤلاء المواطنين في مناطقهم المهددة، عبر تحسين ظروف حياتهم وتوفير المدارس والماء وفي أحيان كثيرة الكهرباء، إلا أن الأهم أن القيادة جعلت من قضية هذه التجمعات قضية دولية تنال اهتمام العالم، بمعنى أنها حصنتها دولياً ليكون صعبا على إسرائيل تنفيذ مخططها

وعلى صعيد آخر قامت حركة فتح بدورها السياسي والتنظيمي عبر تحصين أهلها من بدو فلسطين، وطنياً ليتمسكوا بمناطق تواجدهم وقراهم، والدليل ان سلطات الاحتلال فشلت في كل محاولاتها لإغراء هؤلاء بالرحيل عن مناطقهم سلمياً مقابل حصولهم على قطعة ارض وأموال كثيرة وتصاريح عمل داخل الخط الأخضر.

المعركة في الخان الأحمر لا تزال مستمرة وان قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الاحترازي بتجميد عمليات الهدم لن يخدع أحدًا، لذلك لا بد أن نكون جاهزين للجولة القادمة. صحيح أن ميزان القوة ليس لصالحنا والمنطقة بعيدة ومعزولة عن التجمعات الفلسطينية الكبيرة، ولكن، لدينا إصرار وعمل متواصل قد يثمر عن منع تهويد المنطقة التي من شأنها إن هودت أن تنهي حلم إقامة الدولة الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين.

وفي التفاصيل، فالملفت للنظر في معركة الخان الأحمر، انه في هذه الموقعة المهمة، قد تصدى الجميع رجالا ونساء وأطفالا لجرافات الاحتلال، ولاحظنا كيف كان تركيز جنود الاحتلال على كسر شوكة الأطفال تحديدا، بهدف منع تراكم ذاكرة الصمود والانجاز الوطني لديهم. إنّ ما يجري في الخان الأحمر هو ملحمة وطنية بامتياز، سيكتب التاريخ كيف صمد 330 مواطنا فلسطينيا بدويا على أرضهم، وإن عملية انتزاعهم إن تمت فإنها تمت بالقوة والبطش في إطار سياسة التطهير العرقي.

ومن دون أية مبالغة فإن ما جرى وما يجري بالخان الأحمر، هو مؤشر ستأخذه بالاعتبار الإدارة الأميركية صاحبة صفقة القرن، التي ستلاحظ أن الشعب الفلسطيني سيخوض معركة ويقدم كل التضحيات على كل شبر من ارض وطنه، كما كان حاله منذ أكثر من مئة عام ولن يستسلم. واذكر هنا ما قاله الصحفي البريطاني روبرت فيسك لإدارة صفقة القرن، التي تحاول تمريرها عبر حلول اقتصادية وإنسانية، تساءل فيسك هل رأيتم الشعب الفلسطيني يوماً يخرج بمظاهرة من اجل تعبيد شارع؟ والمقصود هنا أن الشعب الفلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله وكرامته ولن يتوقف يوما عن هذا الكفاح.

وبغض النظر كيف ستؤول إليها الأمور في الخان الأحمر فإن كفاحنا من أجل تقرير المصير والحرية والاستقلال سيتواصل مهما طال أمد الصراع.