على هامش الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، اكتسبت مشاريع فصل غزة عن الضفة الغربية زحماً بانضمام الولايات المتحدة إلى هذه المساعي الانفصالية، كمقدمة ابتزازية لإخضاع الفلسطينيين لصفقة الاستسلام. وعاد "الإسرائيليون" للحديث مع الأمريكيين حول مشروع توسيع غزة، وإقامة منطقة صناعية تجارية بين رفح والعريش، وهو مشروع قديم طرحه جيورايلاند مستشار الأمن القومي «الإسرائيلي» الأسبق قبل سنوات.
ينص المشروع على مضاعفة مساحة غزة على حساب مصر لتبلغ 720 كيلومتراً مربعاً، ومبادلة الأراضي المضافة لغزة من سيناء بقطاع من صحراء النقب، ونفق يصل مصر مع الأردن في إطار حل إقليمي، وطرح ايلاند مشروعه الأصلي سنة 2004 على وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس، وعلى وزراء أوروبيين، وقادة عسكريين "إسرائيليين". ونص على الانسحاب الآحادي من غزة، والانسحاب من الضفة باستثناء 11 %. لكن مشروع ايلاند تقلص لاحقاً، وتمَّ عرضه من قبل الأمريكيين "والإسرائيليين"على الرئاسة المصرية، بما يخص توسيع غزة فقط، ورفضه الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثمَّ عندما تولى "الإخوان" حكم مصر في عهد مرسي عاد الأمريكيون لطرحه، وأخذوا موافقة مبدئية من محمد مرسي، وحركة حماس التي سارع قادتها إلى القاهرة حاملين دراسة مفصلة حول منطقة تجارية وصناعية بين رفح والعريش، وتلقى "الإخوان" وعداً أمريكياً بعشرين مليار دولار مساعدات إلى مصر، لكن المشروع تلاشى بعد سقوط حكم مرسي. وتجدد الحديث حالياً مع جولة جاريد كوشنر، وجيسون جرينبلات في المنطقة، حيث سرب الأمريكيون أنباء لوسائل إعلام "إسرائيلية" بأنَّهم سيطرحون مشروع إقامة منطقة صناعية بين رفح والعريش لتشغيل أيدٍ عاملة من غزة، وسيطلبون تمويلاً من دول خليجية بمليار دولار لهذا الغرض. وهذا المشروع يصب في مصلحة حركة حماس التي تلقت عروضاً بوساطة قطرية في هذا الاتجاه مقابل وقف حركة حفر الأنفاق، أو الحصول على سلاح، والإفراج عن الأسرى"الإسرائيليين"، وهدنة طويلة الأمد.
وطالما أن المشروع مخطط سلفاً، ودراساته وخرائطه جاهزة منذ زمن مرسي، فإن هناك تقاطعاً مصلحياً بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من جهة، وطموحات حماس في فك الحصار والتحول إلى سلطة محلية مستقلة. وجاء هذا التطور في سياق ممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية لإعادة فتح قنوات الاتصال مع الإدارة الأمريكية. وقد حاول الأمريكيون منذ مقاطعة السلطة لإدارة ترامب إثر قراره بنقل السفارة إلى القدس، إيجاد قنوات لشرح صفقة الاستسلام للرئاسة الفلسطينية من دون جدوى، وكثفوا من أنشطتهم في محاولة لإيجاد قيادة بديلة لكنهم فشلوا، فوجدوا في الأزمة الإنسانية في غزة مدخلاً للتلويح بتهميش السلطة بالكامل، وعرض الصفقة من دون موافقتها وتكريس الفصل.
فبالنسبة لحركة حماس طبقاً للمفاهيم الإخوانية، فإن المهم هو البقاء في الحكم. وستبلغ الجهود ذروتها في جولة الوفد الأمريكي للمنطقة حالياً. فالتصعيد بالقصف الصاروخي والجوي المتبادل بين الاحتلال وحماس لا يترك دماً على الأرض في كلا الجانبين . وبالنسبة للسلطة الفلسطينية فإنها تمر بمرحلة انتظار، وسبق لها أن طالبت الأمريكيين بتعديل الخطوط الرئيسية في الصفقة بشأن القدس والاستيطان، لكن الأمريكيين رفضوا الرد.
فقد طالب الفلسطينيون بأن يكون بند القدس عن أنها تخضع للقرارات الدولية، أي أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وكذلك الاستيطان يسري عليه القانون الدولي. ولم تحاول واشنطن الرد بل سربت أنباء أنها ستضم أحياء مكتظة حول القدس لنفوذ السلطة لتكون بمثابة عاصمة، وهذا يستثني البلدة القديمة والمقدسات. بل ذهبت واشنطن أبعد من ذلك بالاعتراف ضمنا بسيادة "إسرائيل" على المستوطنات، من دون تبادل في الأراضي، كما أنَّ هوية الدولة الموعودة ما زالت ملتبسة، فهي طبقاً لما يروجه "الإسرائيليون" دولة حكم ذاتي محدود من دون أدنى سيادة على الأرض، والحدود، وتحت الأرض، وفي سمائها، طبقاً لما قاله بنيامين نتنياهو قبل أيام من أن السيادة في الضفة ستبقى بيد "إسرائيل".
عموماً، لم يبق سوى أسابيع قليلة على الموعد المحتمل لطرح الصفقة الأمريكية في أغسطس/ آب المقبل، لكن "الإسرائيليين" على علم مسبق بتفاصيلها لأنَّهم أدرجوا كل أطماعهم فيها، ولم يتم إدراج أي مطلب فلسطيني. ويراهن الفلسطينيون على فشل الصفقة لأنَّهم الطرف الذي يستطيع أن يقرر مصيرها، وفي غيابهم لا يوجد محاور فلسطيني باستثناء أطماع حماس التواقة إلى البقاء في حكم غزة، مهما كان الثمن .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها