اخيرا اختارت ادارة ترامب الانسحاب لمكانها الطبيعي، ذلك أن وجودها في مجلس حقوق الانسان كان بمثابة وجود ارهابي على رأس مجمع نبلاء، وبذلك ترفع هذه الادارة قناع الديمقراطية، والعدالة والحرية والانتصار لحقوق الانسان، ليبرز الوجه الحقيقي لترامب وادارته، فانكشاف الانسجام ما بين منهج التهديد والوعيد والارهاب السياسي، وافعال وأعمال الادارة الأميركية، لا يعتبر تقويضا لدورها المزعوم في دعم الديمقراطية في العالم وحسب، بل فرصة نادرة للعالم ليأخذ نفسا عميقا، ويبدأ التفكير بكيفية تصحيح وتصويب مسار العالم الحر، في معركة الانتصار للانسانية، ولقضايا الشعوب العادلة وحقوقها المشروعة.
لم تقدر ادارة ترامب على مواجهة الحقائق والحقيقة الفلسطينية المحمولة في عقول وقلوب ممثلي الدول الحرة في المجلس، فقررت الاعتراف بهزيمتها، والانسحاب والتمركز في خنادق الظالمين حيث الجبهة الاسرائيلية العنصرية المعادية لحقوق الانسان الفلسطيني.
هذه الدولة العظمى التي اجهضت قرارات في مجلس الأمن، ومنعت المجتمع الدولي من المضي قدما في حل القضية الفلسطينية العادلة وفق قرارات الشرعية الدولية لا يمكن للمؤمنين بقيم العدل والحرية رؤيتها في جبهة المنتصرين منهجا وفعلا لشريعة حقوق الانسان، فوجودها على كرسي في مجلس حقوق الانسان، متناقض تماما مع دعمها المادي والمالي والسياسي للنظام الاسرائيلي الاستعماري الاستيطاني العنصري ... ولعل انسحابها مكسورة من المجلس سيزيل عوامل ضغط مباشرة كانت مسلطة على اعضائه، ما سيرفع مستوى عمل المجلس، ويزيد فرص تحسين أدائه، ليس في اطار الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني وحسب، بل في كل مكان في العالم، فنحن على يقين بأن أي انتصار لحقوق الانسان، هو نقطة قوة اضافية لشعبنا، وتعزيز لمسيرة نضاله السياسي والدبلوماسي في ميدان المحافل القانونية الدولية.
لم يكن قرار ترامب الرسمي الانسحاب من مجلس حقوق الانسان مؤسفا، لأن نيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشكر والامتنان من رئيس حكومة دولة الاحتلال (اسرائيل) والاشادة بقراره يعني أنه كان مؤسفا احتلال ادارة ترامب لموقع لا يستحق ان يكون فيه إلا المعنيون فعلا بسيادة القانون الدولي، وتطبيق قوانين وشرائع حقوق الانسان، والأهم العاملون فعلا على نشر السلام كثقافة انسانية تتجاوز الحدود الجغرافية والسمات العرقية والجنسية واللونية لآبناء آدم.
تسرنا جدا اتهامات ادارة ترامب ونظام تل ابيب للأمم المتحدة ومنظماتها، خاصة عندما يقول نتنياهو "ان المجلس قد اثبت انه جهة منحازة وعدائية ومعادية لاسرائيل" وتصفه مندوبة ترامب في الأمم المتحدة نيكي هايلي "بالمنافق والأناني".. يسرنا ذلك لأنه اقرار غير مباشر من دولة احتلال واستعمار واستيطان ارهابي عنصري، ومن ادارة دولة عظمى بأن العالم كله بات مناصرا ومقتنعا ومؤيدا للحق الفلسطيني، ومنحازا لمبادئه، وانه لم يعد قادرا على ابتلاع الكم الهائل من (المظلومية) التي طالما عممها وروجها حكام اسرائيل واتخذوها مبررا لشرعنة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي كان ضحيتها الشعب الفلسطيني، ومبعث سرورنا من رؤيتهم لهذا المحفل الدولي كجهة منحازة معادية حيث لا يشاركهم فيها الا ترامب ومستشاروه في البيت الابيض أنهم فعلا قد اختاروا الجبهة المعادية لحقوق الانسان، ارتكازا على مبدأ ان المؤمنين بالسلام وحقوق الانسان في العالم لا ينظرون للقضايا من عين هذا عدو وهذا صديق، وانما بعين تقييم التجارب الفعلية ومدى تطبيق هذا النظام أو ذاك او هذه الحكومة او تلك لقوانين وشرائع حقوق الانسان، فوحده المجرم يعتقد بأن المجتمع الممثل بالقضاء العادل خصمه وعدوه.
واخيرا كشفت لنا مندوبة ترامب في الأمم المتحدة السيدة نيكي هيلي بشكل لا لبس فيه أن الادارة الحاكمة في بلادها اليوم لا ترى الفلسطينيين ضمن منظومة امة الانسان، فهذه المصابة بفايروس عمى عنصري اسرائيلي وازدواجية قاتلة، لا ترى حقا لانسان، إلا وفق تصنيف ادارتها، فرئيسها يقرر الانسحاب من مجلس حقوق الانسان لأنه نظر بجدية وانتصر لحقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة وفق برنامج احتلالي اسرائيلي ممنهج، لكنها تعود بكل وقاحة لتقول: "لن نتراجع عن التزاماتنا بشان حقوق الانسان".. فعن أي انسان تتحدث؟! وأي انسان تقصد؟! نخشى ان يفاجئنا رئيسها – المهووس بالمال والتجارة والصناعة فقط - بقانون اميركي يلتزم بحقوق (الإنسان الآلي) فقط .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها