عندما رفعنا صوتنا ومعنا شعبنا، والأحرار في العالم، وقلنا بايعناك يا سيادة الرئيس، كنا صادقين بما نقول، وكنتَ أهلاً لحمل العبْء الثقيل. وعندما قلنا امام كل العالم: أننا فوضناك يا خليفة الرمز ياسر عرفات، لم نكن نغامر، او نجامل، وانما زرعنا الثقة في أرضها الخصبة، وحيث لا تضيع الودائع.
كنت وفياً مخلصاً لشعبك رغم الجراح النازفة، ورغم سيل الشتائم والتطاول، من قبل الذين اختاروا دائماً أن يَسْبحوا ضد التيار، وأن يُغمضوا أعينهم عن الحقائق، والمصرون على إضافة صفحة سوداء على المجلد الفلسطيني ناصع الصفحات، والمبشِّر بالأمل المضيء الذي يمزِّق حلكة اليأس والاحقاد.
رغم كل التحديات، والصعوبات، وحلقات التآمر لخنق القضية الفلسطينية، إلاَّ أنك سألت اللهَ سبحانه النصرَ، واخترت أن تكون في أحضان شعبك، فاحتضنك شعبُك، ورفاق دربك، وأقسموا معك على الوفاء لدماء الشهداء، واختاروك عنواناً لفلسطين بالاجماع، فأنت رئيس الدولة، وانت رئيس اللجنة التنفيذية، وأنت قائد حركة فتح الرائدة.
في هذا المجلس الوطني ومنذ البداية لم تكن فئوياً، وإنما كنت وحدوياً، كما أنك كنت جريئاً في قول الحقيقة وإن كانت مُرة، فأنت لا تجامل أحداً، لأن طريق الثورة والبناء والتحرير لا تعرف المجاملة، وانما الوضوح الكامل في الأفعال والمرامي.
إنَّ قولك في بداية خطابك التاريخي في المجلس : "لو لم يُعقد هذا المجلس لكان الحلم الوطني الفلسطيني في خطر". وهذا الكلام يدل على بُعد النظر لأنه أمام المشروع الاميركي الصهيوني، ومخاطره التدميرية، سواء في صفقة القرن الرامية إلى تدمير أبرز أعمدة المشروع الوطني، خاصة موضوع القدس، وموضوع اللاجئين، وتوسيع الاستيطان والتهويد يومياً، والهدم، والاعدامات، والتطهير العرقي، وتدنيس الاراضي والامكنة الدينية، فأمام كل هذه المخاطر، وفوقها مخاطر الاصرار على الانقسام، وفصل غزة عن الضفة، فأمام كل هذه التحديات التي تكاد تطيح بأرضنا، وشعبنا، وحقوقنا، أليس من حق الرئيس محمود عباس أن يدعو إلى عقد جلسة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني؟؟! من أجل تجديد الشرعيات الفلسطينية، وتحديد موعد للانتخابات الفلسطينية في أقرب وقت، واختيار أعضاء جدد للمجلس الوطني بدلاً من الذين توفوا، وأيضاً إغناء المجلس المركزي باختيار نخبة من المثقفين، والسياسيين، وذوي إختصاصات متعددة، يوافق عليهم المجلس الوطني.
أليس من حق ممثلي شعبنا في هذه المعمورة أن يحضروا إلى فلسطين، إلى رام الله ليشاركوا في صناعة مستقبلهم، واختيار من يمثلهم؟!
فلماذا يغضب البعضُ الرافض للانعقاد ويشتم القيادة، ويخوِّن من يشاء دون رادع من أجل تأليب الشعب الفلسطيني على قيادته؟
ولكن من سوء حظ هؤلاء الشتَّامين والحاقدين، وأصحاب المآرب الخاصة، أنهم لم يجدوا من أبناء شعبنا الخُلَّص من يستمع لهم، ولخطابهم المسموم، فعادوا أدراجهم يائسين بعد أن رأوا الشعب الفلسطيني، والشرفاء والاحرار في العالم قد إلتفوا حول القيادة التاريخية الفلسطينية، التي تصنع مستقبل الشعب الفلسطيني، وتكتبه بحبر القرار الوطني الفلسطيني المستقل، مستلهمةً رؤيتها من واقع تضحيات الشهداء والأسرى والجرحى.
كان الرئيس أبو مازن ببعد نظره، ووعيه السياسي والوطني، يدرك حجم المخاطر المحدقة بنا، ويرى ضرورةَ تصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتوحيد الصف الفلسطيني، ومعالجة الانقسام الذي خلَّفه إنقلاب حركة حماس العام 2007.
لذلك جاء قرار عقد المجلس الوطني بأسرع وقت، وبعد إنتظار طويل، وخاصة بعد فشل المصالحة، وصفقة ترامب، وبعد حوارات طويلة ومعمَّقة مع الأطراف الفلسطينية دون نتيجة تذكر، لأنَّ هناك إصراراً على إبقاء الجبهة الداخلية متردية.
الرئيس يحترم الجميع، لكنه يحترم فلسطين، وشعبها، والمصالح الوطنية اكثر من الأطراف التي أخذت على عاتقها إفشالَ عقد المجلس الوطني، من أجل إفشال القيادة الوطنية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، وضعضعة الجبهة الداخلية وتسهيل (عملية إختراقها من الأطراف المعادية.)
إلى الذين أصرَّوا على المقاطعة، وأصروا على التهشيم الإعلامي والوطني رغم ما أنجزه هذا المجلس الوطني، وإِنْ كنا نميِّز بين فريق وآخر إستناداً إلى النوايا، فإننا نؤكد ما اكده الرئيس أبو مازن:
أ. بقيادة الرئيس الفلسطيني تجاوزنا الخطر الذي كان يهدد مشروعنا الوطني، ونحن الآن غادرنا الامواج المتلاطمة ونقف على شاطئ الأمان إستعداداً للانطلاق من جديد.
ب. لقد ترك الرئيس باب المجلس مفتوحاً لاستقبال كل الأطراف الفلسطينية على قاعدة الاعتراف بما تم إنجازه بعد هذا الجهد العظيم. فاللجنة التنفيذية أبقت ثلاثة مقاعد لمن يريد المشاركة.
ج. إن القرار المتعلق بالدولة واضح وهو (لا دولة في غزة، ولا دولة دونها)، وهذا القرار له أبعاد سياسية، لأنَّ م.ت.ف لن تسمح بإقامة دولة في قطاع غزة منفصلة عن الضفة، لأن هذا الأمر يشكل مؤامرة سياسية على ثوابت الشعب الفلسطيني، وبالتالي مثل هذه الدولة لا تخدم سوى مشروع ترامب. وأيضاً فالمنظمة ألزمت نفسها بأنها لا تقبل بأية دولة إذا لم تكن غزة جزءاً منها.
د. لقد ترك الرئيس باب الحوار مفتوحاً من أجل إنهاء الانقسام، فالوطن لن يتمتع بالعافية والقوة، إلاَّ إذا كانت أرضه موحَّدة، وشعبه موحَّداً، فقطاع غزة ليس لفريق معيَّن، وانما هو ساحة وطنية لكل الشعب الفلسطيني، وما يجب أن يسود فيه هو المشروع الوطني الفلسطيني، وليس أي مشروع آخر.
هـ. لقد كان الرئيس واضحاً بالنسبة للمصالحة في قطاع غزة وانهاء الانقسام وهي: لا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية برأسين، فإما أن تكون حركة حماس هي المعنية بقطاع غزة وحدها، وهي تتحمل كل شيء. وإما أن تكون حكومة الوفاق الوطني التي شكلتها فتح وحماس معاً هي المسؤولة عن قطاع غزة كما الضفة وحدها، والجميع يتعاون لإنجاحها.
إنطلاقاً مما تقدم، وبسبب حضورنا الدولي والاقليمي والعربي والمحلي، فقد فشلت كل المحاولات الرامية إلى عقد مؤتمرات موازية في دول معينة، للتأكيد على الانقسام والتخريب الداخلي.
المركب الوطني الفلسطيني إنطلق بقوة وثقة مبحراً باتجاه إنجاح المشروع الوطني الفلسطيني، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" الحاج رفعت شناعة5/5/2018
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها