بقلم: عدلي صادق

في يوم الجمعة (27/9/2013) أي في موعد يوم الخطابة المنبرية المرعدة، وإعلاء شأن الأيديولوجيا في طهران؛ وقع اتصال الرئيس الاميركي أوباما، برئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني، في الدقيقة الأخيرة، قبل إقلاع طائرة الأخير عائداً الى بلاده. الأول، يتحسس مخاطر اقتصادية راكمتها مشروعات الحروب والغزو، وتتوخى استراتيجيات للتفاوض أقل تعاطياً من سواها في الداخل الاميركي، بمنطق الجبروت العسكري ومطلقاته، بينما يستأنس الثاني بمكونات مجتمع مدني قوي، ينحو الى الاعتدال طلباً لحياة أفضل ويستند الى شعبية لا يختلف عليها اثنان، لكي يبتعد عن منطق الأيديولوجيا القصوى وحديث الزلازل.

 

كان اتصال الرجلين ودياً وقد توافقا على أنهما معنيان بتخفيض مستوى التعقيد، في علاقة العداء المديد بين واشنطن وطهران، من خلال مفاوضات مباشرة حول الملف النووي الإيراني. وبهذا التطور، ارتفع مؤشر سوق الأوراق المالية في طهران، بنسبة 7%.

 

فعلى صعيد إيران، كانت العقوبات الدولية التي حرضّت عليها واشنطن؛ قد أفقدت الريال الإيراني ثلثي قيمته في العامين الأخيرين، وبلغت نسبة البطالة 30%. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنها باتت أمام أحد خيارين ما زالا قائمين وأحلاهما مُر: إما أن تتحول إيران الى دولة فاشلة ومنهارة، فتطفح فوضاها الداخلية الى الجوار حيث منابع النفط وحلقة مواصلاته، وإما أن تتماشى مع التفلت الإسرائيلي فتقوم بعمل عسكري لا تُحمد عقباه على الصعيد نفسه. غير أهل الأيديولوجيا الموتورة، في كل من الولايات المتحدة وإيران، عارضوا المبادرة الاميركية وأغضبهم تلقفها الإيراني، أي استثارهم اتصال الدقيقة الأخيرة. ففي اميركا، عارض بالطبع، تجار الحروب وقوامهم أرباب التصنيع العسكري ومقاولو الباطن ومتعهدو الخدمات اللوجستية، وهؤلاء، كـ «محافظين جدد» يمتشقون أفكاراً في لبوس الأيديولوجيا. وفي إيران، هناك «الحرس الثوري» بشبكة أعمال الإتجار و«البزنس» الطفيلي، والموانئ الخاصة التي يستخدمونها لكسر الحصار والإثراء، ويغلفّون كل أعمال التربح وامتصاص المجتمع، من خلال الإيحاء بمشروعات قصوى ليس أقلها اجتثاث إسرائيل، بينما السياق أن حكومة إسرائيل هي التي تتفلت، وتُفسد كل شيء في المنطقة، وتتمسك بالاحتلال وبالعربدة، لكي تطفو شرائحها على سطح مياه آسنة، يتطير منها ويتعفف عنها الآدميون!

 

المجتمع المدني الإيراني، لم يعد يتعاطى باحترام مع خطاب الطنين. ففي مواجهة العقوبات، وعندما يَمّمت الدولة شطر آسيا، وتبنت مشروعاً تطويرياً لتصدير الغاز، عبر الأنابيب، الى الهند وباكستان، لوحقت الدولتين اللتين تسددان أثمان الطاقة، في البيوت المصرفية والمالية، لمنع ضخ الدولار الى إيران، وانخفض التصدير بعد أن كانت إيران ثاني مزود للطاقة، بعد السعودية الى الهند مثلاً. وهذا جعل الهند، الصديقة التقليدية لإيران؛ تصوّت ضد إيران مرتين، في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وباتت إيران معنية باستعادة مكانتها كمزود للهند بـ 40% من استهلاك المشتقات النفطية. فالخسارة ألقت بثقلها على الاقتصاد الإيراني، وزاد الأمر سوءاً، انخراط الإيرانيين في الصراع داخل سوريا، بكل أكلافه على مقدرات الشعب الإيراني. من هنا، لم يعد هناك أية قيمة، لخطاب العنفوان الذي يسمعُهُ للإيرانيين أرباب الإتجار والموانئ غير النظامية التي تضخ أرباحها الى أغنياء «الحرس الثوري». وعلى قدر ما يبغض «المرشد الأعلى» خامينئي، الانتخابات والديمقراطية، ويرى الأولى شراً لا بد منه، لكي يتحاشى الملالي غضبة مجتمع أضنته السياسات، ومعظمها كلام في كلام؛ فإن روحاني وجد فرصته للرئاسة، من بين ستة مرشحين، أجازت هيئة «تشخيص مصلحة النظام» ترشحهم باعتبارهم آمناء على موقع رئاسة الجمهورية (استبعدت اثنان). فالرجل، تحصّل على درجتي الماجستير والدكتوراه من اسكتلندا موطن الفكر الاقتصادي. وليست «المرونة» طارئه عليه. فرسالة الدكتوراه في القانون الدولي كانت عن «ليونة الشريعة والتجربة الإيرانية».

 

بعد اتصال الدقيقة الأخيرة، بين أوباما وروحاني، شَحَذَ أهل الأيديولوجيا الموتورون ألسنتهم، ليستدرك أوباما بكلمات حذرة تنم عن استمرار فقدان الثقة، وليُعرب «الحرس الثوري» عن رفض الاتصال. أما «المرشد الأعلى» فقد أمسك بالعصا من المنتصف، إذ أبدى بعض التحفظات بمضامين التأكيد على الثقة في رئيس الجمهورية. فخامينئي يعرف ما يعانيه الإيرانيون، وبالتالي يرى أن المنحى التفاوضي حول الملف النووي شر لا بد منه، لكي لا ينفجر المجتمع. فليس أفدح ولا أشد خطراً من مصاعب الحياة، على الدولة التي يتوجب عليها أن تحافظ على أرزاق الناس. إن هذه هي المعادلة، وعلى السياسات أن تتكيف معها لكي لا تنكسر، فتفقد قدرتها على تحصيل الممكن من الحقوق. أما المتربحون الفاسدون، فلا يبنون مجداً، ولا يقهرون عدواً. وطنين الخطابات لا قيمة له!