بقلم: رفعت شناعة

الذين عاشوا في حركة فتح، واسهموا في بنائها الثوري، وربطوا مصيرهم بمصيرها، واختاروا طريقها يدركون تماماً عظمة هذه الحركة العملاقة والرائدة، وما يميِّزها من تراث وطني جعلها تقف دائماً متأهبةً رغم جراحِها، وتواصل مسيرتها رغم استهدافها، وتتمسك بموقعها المتقدم على غيرها رغم محاولات إنهاكها وإضعافها، ودائماً هي تمتلك إرادة التصدي للحصار والخروج من تحت أثقاله وأعبائه. مشكلة حركة فتح مع من يستهدفها أنهم لا يعرفونها حق المعرفة، ولأنهم يفاجأون وهم يزرعون الألغام في جسدها تنفجر بأجسادهم ويتراجعون ممزَّقين ليدركوا بعد ذلك أنَّ من صنعوا حركة فتح هم القادة والرواد الكبار، وأنَّ لبنات هذا الصرح الوطني مغموسة بدماء الشهداء، وأنَّ من هندسَ هذا البناء هم قادةٌ قرأوا التاريخ، وعاشوا الحاضر بكل تجاربه، ومعطياته ومعضلاته، واستشرفوا المستقبل بكل تطلعاته وإشراقاته، إنهم بحق القيادة التاريخية التي عشقتها الأجيال، وعاشت في كنفها، أو نشأت ونمت على هدى تعاليمها وأفكارها وانجازاتها فمن الرمز ياسر عرفات، وخليل الوزير أبو جهاد، وصلاح خلف ابو إياد، وأبو علي إياد، وهايل عبدالحميد أبو الهول، وممدوح صيدم أبو صبري، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، مروراً بخالد الحسن ابو السعيد، وهاني الحسن، وصخر حبش أبو نزار، وماجد أبو شرار، وعبدالفتاح حمود، وسعد صايل أبو الوليد، ومازال من الاحياء الكثيرون يشهدون على عطاء الرعيل الأول وهم في موقع العطاء والمواجهة وخاصة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وسليم الزعنون أبو الأديب، ومحمد غنيم أبو ماهر، والقافلة تطول من الشهداء والاحياء.

الذين يعتقدون أنه بالإمكان تدجين حركة فتح، أو تركيعها، أو السيطرة على قرارها هم واهمون لأنَّ من ناضل في حركة فتح ومن عاش تجربتها يعرف حقيقتها، ويتمسك بها، ويراهن عليها، ويسهر على وحدتها، ويعتز بكرامتها، ويرفض التطاولَ عليها.

هذه الحقائق يعرفها أبناء حركة فتح الذين أقسموا قسمَ الولاء والإخلاص لفتح، وحتى الذين كانوا في حركة فتح وانضموا إلى فصائل أخرى، أو ابتعدوا عن إطار العمل لسبب من الاسباب لا أحد منهم يشكك بعظمة حركة فتح كحركة وطنية أسهمت في صناعة أجيال من المناضلين، والكثيرون يتغنون بالسنوات التي أمضوها في الحركة، ويشعرون بالسعادة وهم يتحدثون عن رموز حركة فتح.

قيادة حركة فتح الحالية ما زالت تنهلُ من الينابيع الأولى، وتعود إلى الجذور الأولى من أجل الحفاظ على الأمانة والتراث، ولأنها كذلك فقد عبَّرت عن تمسّكها بقرارها المستقل، وتعاطت مع الاحداث والوقائع بثقة كاملة أنها ذاهبة نحو التحرير والقدس قَصُر الزمان أو طال.

قيادة حركة فتح الحالية وريثة القيادة التاريخية وسليلتُها والتي درست في مدرستها أثبتت للجميع أنها لا تركع ولا تلين، وأنها تعرف كيف تختار وماذا تختار من مواقف دولية أو إقليمية أو فلسطينية. فعندما حاصرها العالم بأسره مالياً واقتصادياً وسياسياً طالباً منها العودة إلى طاولة المفاوضات بالشروط الاسرائيلية رفض الرئيس أبو مازن ذلك، وأبلغ الرئاسة الأميركية بأنه يرفض العودة إلى المفاوضات طالما أن الاستيطان متواصل، وطالما أن الاحتلال الاسرائيلي لا يعترف بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالدولة الفلسطينية والقدس، ولا يُفرج عن الأسرى. واستمر تجميد المفاوضات لمدة ثلاث سنوات، لكنَّ الملفت للانتباه أنّ معاناة حركة فتح والسلطة الوطنية الاقتصادية والمالية كانت صعبة جداً ومدمِّرة، ولكن لم نشهد من الفصائل الفلسطينية من يصعِّد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، ولا حركة حماس استفادت من هذا الموقف الجريء والمُكْلِف أقلُّه أن تعلن بداية إنهاء الانقسام، واعلان المصالحة، وانما على العكس فقد اكدت على الهدنة في قطاع غزة والدخول في اتفاق مع إسرائيل يرعاهُ الرئيس السابق محمد مرسي، والانشغال بالانفاق، والتداخل مع الاخوان المسلمين في مصر بدلاً من الاهتمام بالمشروع الوطني الفلسطيني.

خلال السنوات الثلاث أثبت الرئيس أبو مازن أنه صاحب قرار، وأنه يعرف أين تكمن مصالح الشعب الفلسطيني، وأنه لا يخضع لأية ضغوطات وانما هو يُحكّم العقلانية والموضوعية.

وعندما جاء كيري إلى المنطقة مُرسَلاً من أوباما لتنشيط عملية السلام في المنطقة، رفض أبو مازن الاستجابة لكيري على مدى ستة شهور من الزيارات، لكن الرئيس أبو مازن ومن موقعه كرئيس دولة وبعد دراسة السلبيات والايجابيات قرر العودة إلى طاولة المفاوضات، ولأنَّ معركة المفاوضات هذه إقتصادية ومالية، وأمنية، وسياسية، وإعلامية، وقانونية، أراد الرئيس أن يقطع الطريق على نتنياهو الذي يدَّعي أنه يريد عملية السلام ولكنه في الواقع يريد أن يشوِّه صورة الموقف الفلسطيني السياسي، وكانت خطوة جريئة من الرئيس أبو مازن، وجاءت في إطار الحسابات الموضوعية. وكانت المعارضة لهذه الخطوة فلسطينياً واسعة، ولم يكن الرئيس منزعجاً أو غاضباً من المعارضين وانما كان متفهِّماً لذلك، وهو يعرف إلى أين هو ذاهب، لأنه يبحث عن مصلحة الشعب الفلسطيني وليس عن مكاسب تنظيمية.

ولأنه مسؤول عن حياة المجتمع الفسطيني، كان الرئيس أبو مازن يتمنى ان يرتفع مستوى الغضب الفلسطيني والأداء الفصائلي إلى تفعيل المقاومة الشعبية، لكنَّ رد الفعل الفلسطيني اقتصر فقط على توجيه النقد اللاذع والجارح للرئيس أبو مازن، وتخوينه، والتحريض على موقفه، أما الكيان الاسرائيلي العنصري فلا أحد يقترب منه، أليس هذا ملفتاً للانتباه؟!.

عندما قرر الرئيس أبو مازن رئيس اللجنة التنفيذية الذهاب إلى الامم المتحدة وطلب العضوية لدولة فلسطين تعرَّض لضغوطات هائلة من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، ورغم الضغوطات الهائلة من أوباما وادارته، والضغوطات العربية التي لا تطاق إلاّ أن الرئيس أبو مازن زار دول العالم، وأقنع الزعماء بالحقوق الفلسطينية، وعند التصويت على عضوية دولة فلسطين عضو مراقب نالت فلسطين حقها رغم أنف أميركا واسرائيل، وقلة قليلة هي التي اعترض ولا تزيد على تسع دول. هذه هي عظمة حركة فتح التي تعرف كيف تقود كطليعة لشعبها دون مساومة أو مقايضة، ومهما كانت النتائج معكوسة عليها لأنها دائماً تضع المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني فوق كل الاعتبارات.

حركة فتح في المحطات المفصلية من التاريخ النضالي كانت تتمتع دائماً بغنى وتميُّز في طاقاتها الكامنة، وتميَّزت أيضاً في المراحل الصعبة والاختبارات المعقدة بالتفاف قواعدها التنظيمية والعسكرية حول قياداتها ملتزمة بالتعليمات المركزية، والتوجهات الحركية، متحدية كافة المخاطر التي تهدد حركتهم سواء بالإضعاف والتفتيت، أو الانقسام والتشرذم، أو الالتفاف على دورها الريادي وتجريدها من قرارها القيادي، أو من خلال زرع الشك والتحريض على القيادة المركزية. أكدت حركة فتح ومازالت أنَّ أبناءها الأوفياء لا يساومون عليها، ولا يتخلون عنها، ولا يسمحون بالتطاول عليها، وهم يضحون بأنفسهم من أجل حمايتها لأنهم يثقون تماماً بأن هذه الحركة هي حركة العظماء والاوفياء، هي حركة من قال" شعب الجبارين" و"يا جبل ما يهزك ريح"، هي حركة من قال" نموت واقفين ولن نركع"، هي حركة أبو جهاد الوزير الذي خطط لعمليات ديمونا، وسافوي، ودلال المغربي، هذه العمليات هزّت أركان العدو العسكرية، ولقنتهم درساً قاسياً في علم الثورات والشعوب، وأن الشعوب لا تُقهر.

حركة فتح تقول لكل أبنائها الاوفياء إنهضوا وتوحدوا، فأنتهم من بدأتم الثورة وأطلقتم الطلقة الأولى. أنتم من خضتم الانتفاضة الأولى العام 1987، وانتم من أبدعتم الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى، وكنتم فيها أبطالاً وشهداء وأسرى وجرحى، واكدتم باستمرار أن حركة فتح تخزِّن الطاقات والقدرات الكفاحية، وجاهزة لتفجيرها بوجه الاحتلال الصهيوني الذي ينسف حقوقنا، وينكِّل بأهلنا، ويهوِّد ويستوطن أرضنا، نقول للاحتلال إنَّ شعبنا يمهل ولا يهمل، وحركة فتح بالمرصاد لكل من ينال من حقوقنا الوطنية المشروعة.

ولتعلم إسرائيل وغيرها بأن حركة فتح ستظل هي القائدة والرائدة وهي حركة لا تُلوى ذراعها، وهي عصية على التدجين، وأبناؤها الاوفياء يتمسكون بها موحَّدة وصلبة، ومتماسكة. والنصر آتٍ آتٍ بإذن الله.