بقلم/ بكر ابو بكر

لم نطلب من أحد أن يتجرد أبدا من عباءة التنظيم الذي يفتخر به أو ينتمي اليه فهو مما قد يعده الشخص جزءا أصيلا منه، كما هو الحال عندما كتبنا ضد كثير من مواقف حركة حماس إذ لم نكن لنسعى لأن يخرج العضو فيها من تنظيمه فهذا شأنه، ولكن هدفنا هو أن يعمل الشخص فيها، ومن الشعب، العقل ويتفكر.

      وعندما كتبنا ضد بعض المواقف في حركة فتح التي ننتمي اليها بفخار لم يكن الهدف إلا تصويب المسار فيما أراه خطأ أو سلبية أي أنه يأتي دوما من باب الحرص والاصلاح وإعمال الفكر في إطار الرحابة والانفتاح والالتزام وعدم الجمود، هذا الجمود المميز للتنظيمات الفكرانية (الايديولوجية).

إن صحة فكر وأهداف ورحابة أسلوب وطريقة التفكير في حركة فتح تنكشف في كل مرحلة، وهي حاليا بانت على ما سواها في ظل إقليم متشرذم بين الأفكار الاقصائية المتصارعة تلك المغلفة بسكّر الدين أوالعلمانوية المتشددة.

لقد تكلمت وكتبت كثيرا موضحا رحابة وتسامح وانفتاح فكر حركة فتح المتماهي مع  ثقافة حضارتنا العربية الاسلامية، المختلف كليا عن انغلاق وتشدد واقصائية الاخوان المسلمين وغيرهم من التنظيمات مثل العلمانوية، وهذا يمثل أحد أهم الفروق بين التنظيمات المنفتحة والوطنية والرحبة وبين تلك المنغلقة الفكر الاحتكارية للحق ، والتي تحتكر الصواب وتسقطه على مواقفها جميعا وعلى جماعتها تحديدا، وتنفيه عمن سواها.

لذا فان تلزم جانب الرحابة فأنت في عسكر على بن ابي طالب رضي الله عنه الذي قاتل الخوارج، ولما سألوه عنهم لم يكفرهم ولم يخونهم ولم يشتمهم بل قال "اخواننا بغوا علينا"، وكما هو حال "حماس" (بغالبها) أولئك الذي بغوا وطغوا وعاثوا في البلاد فسادا منذ الانقلاب الدموي عام 2007 في غزة والى اليوم، ومع ذلك لا نكفر ولا نخون ولا نشتم أي منهم، بل اعتقد أن فيهم رجال خير.

لذا فالخلاف هنا بين منهجين في التفكير، وطرائق مختلفة في التعبئة، ونظرات متعددة قد لا تجسر، حيث أن تعبئتهم الداخلية في "الاخوان" و"حماس" والتنظيمات الفكرانية الأخرى تعبئة حقد وتحريض، أو تشدد وتنزيه للجماعة في مقابل تحميل الآخرين وزر الانكسار، انكسارهم، فينمو البغض للآخر لسبب عدم "التمكين" أو وقوفهم بوجهه، ولسبب أن الآخر هو سبب "الابتلاء" للجماعة المؤمنة من الله لهم، وللتخلص من "الابتلاء" فلا محيص عن التخلص من سبب البلاء، ونحن (أي هم) في الحالتين إما شهداء أو متمكنين.

 أن نلتقي مع اليهود في المساحة الثالثة وهي مساحة الإنسانية فهي المساحة التي تجمعنا والهندوس والبوذيين..... مثلا، وفيها يتعدد الخلاف. وأن نلتقي مع الشعبية والديمقراطية و"حماس" على شدة الخلاف فان اللقاء واجب في مساحة الإسلامي أوالقومي أوالوطني حتى لو كابروا، وفيها يتاح الخلاف أيضا.

وفي المساحة الأولى وهي مساحة فكري ورأيي ومواقفي سواء التنظيمية أو الخاصة قد نلتقي أو لا نلتقي ونتوافق مع التنظيمات الفلسطينية الأخرى، فهي مساحة اختلاف مباحة حيث نختلف في الآراء السياسية أومساحة النظرة للمجتمع أو مساحة الوطنية، حيث الخلاف يجب أن يكون في حدود الاحترام والايمان بإمكانية صحة رأي الآخر والاتفاق على التعددية في المجتمع المدني.

في المساحات الثلاث يمكن أن نجد الكثير من الاتفاقات والتقاطعات إن نظرنا بتسامح ورحابة ومحبة، ويمكن ألا نجد إلا الاختلاف والتباعد والتنافر إن ضيقنا الفكرة وحصّنا الرأي وقدسنا الذات وأنشأنا أسوارا منيعة حول المواقف المتغيرة.

 لذا فان دعوتنا هي الحرص على توسيع أدوات الفكر المستنير والمساحات الرحبة في طرائق التفكير مع احترام التعددية والاختلاف ، بعيدا عن الالتقاء الهزيل وهو الالتقاء الشكلي الذي يتفاعل مع مضمون المصالح الآنية على حساب تلك الآجلة أو الكبرى

في المساحة الأقرب أو الأولى التي ذكرتها وهي المساحة الوطنية أو القومية التي تجمعنا مع معظم التنظيمات، قد تجد التيارات الثلاثة أي المتطرف في خلافاته إلى حد الحقد أو القتل أوالافتاء به، وتجد المتساهل أوالمتهاون المتردد أو هزيل الرأي المنسحب أو المنبطح أمام الطاغي أو الباغي أو المهيمن، وتجد المتسامح الرحب كثير الصفح وأغلب حركة فتح برأيي بل وأغلب شعوبنا عامة متسامحة ، أما أغلب تيارات "الاخوان المسلمين" بعد مصطفى مشهور وأغلب " حماس" اليوم هم من التيار المتشدد، بل من الحاقدين الكثر أمثال أولئك الذين أفتوا بالقتل بانقلاب 2007 في غزة مثل نزار ريان ومروان أبوراس ويونس الأسطل.

 يمكننا أن نشير بثقة الى اسماعيل أبوشنب وأحمد ياسين رحمهما الله، وحاليا الى د.أحمد يوسف وغازي حمد، ومع قليل من المكر إلى خالد مشعل وعادل الرشق، على اعتبار أنهم يعدون من التيار المعتدل في حماس مقابل الأغلبية المتشددة، مع التأكيد أن مشكلتهم الكبرى والحال مشابه في التنظيمات الفكرانية الاخرى برأيي ليس بالرأي السياسي أبدا فلهم القول ما يشاؤون، بل في ربط الخلاف بالكفر حين الاختلاف، أو ربطها بالخيانة أو أن تكون التعددية مدعاة للشتم والاتهام كما ترى بلسان معظم نواطقهم الذين شتموا حركة فتح بألفاظ في أقلها هي قلة أدب وهي أكثر ما لا أريد أن ألفظه.

إن التعبئة غير المتسامحة أو المتشددة أو الحاقدة في داخل الإخوان المسلمين هي مشكلتهم الكبرى التي تخرجهم من رداء الداعية (في الجماعة الدينية) المفترض أن يكون متسامحا محبا ودودا وللجميع، إلى رداء الطائفة أوالفرقة التي تنزه المنتمين لها، وهم أي "الاخوان" برأيي تحولوا بإرادة التيار المتشدد فيهم من حزب/جماعة إلى فرقة/طائفة، وأكرر أن هذه التعبئة الحاقدة بأننا (أي هم) أمة المسلمين وبأننا الطائفة المؤمنة دون سوانا (أنظر نظرتهم للأزهر، وللسلفيين ولمن خرجوا عنهم من تيارات اسلاموية، وأنظر نظرتهم للمجتمع المسلم من غيرهم على اعتبار أن ما يسمونه دون وضوح "المشروع الاسلامي" يعنيهم كتنظيم أي هم المشروع والمشروع هم، وليس كفكرة وخطة وسراطية قد يتبناها المجتمع كله أو بعضه) والتي وصلت بالبعض من الجماعات التي خرجت من بطن "الإخوان" ان لم تحترم المجتمع مطلقا، فكفروه وقاتلوه وما غالب الجماعات الارهابية المتسمية ب"الجهادية" الا من صنع بيئة الإخوان المسلمين المتشددة، تلك المتعايشة مع البيئة الدعوية المتسامحة في خلط عجيب يتم فيه الاستعانة بأيهما لما هو مصلحة السلطة الحاكمة داخل التنظيم.

إن موقع الخلاف يجب أن يكون في إطار الاحترام للمختلف بعيدا عن عنجهيات الادعاء بالنقل المباشر عن الله سبحانه وتعالى، وبدون الادعاء أنني أمثل المسلم الحقيقي وغيري في غياهب الجاهلية، وموقع الخلاف السياسي أنه متاح للجميع لذا لنا أن نتعدد ونختلف ونتفق دون سيف مسلط لقطع الرقاب والإلقاء في النار.

 من هنا وجب أن يتم النظر إلى كل المسلمين أنهم مسلمون والى كل المواطنين أنهم مواطنون أكفياء متساوون، ومبلغ قربهم من الله هو علاقتهم الثنائية مع ربهم ولا حارس عليها ممن هو اخوان مسلمين أوسلفيين أو "حماس" أو غيرهم، فهي علاقة ثنائية خالصة وخاصة، وليس لأي حزب سياسي أو تنظيم أو جماعة إلا العمل لخير المجتمع والأمة ما الاختلاف فيه مباح بل ومطلوب للوصول لتطبيق حديث الحبيب (خير الناس أنفعهم للناس).