بقـلم/ صقـر ابـو فخــر

ماذا سيكون مصير الفلسطينيين في سورية بعد أن تتوقف البنادق عن التهام أجساد الضحايا؟ هل ستتغير القوانين التي ترعى وجودهم أم تبقى على ما هي عليه؟ هل تخلّعت العلاقة القومية التي ربطت الفلسطينيين بالسوريين طوال خمسة وستين عاماً؟ أي مستقبل للاجئين في ضوء الاحتمالات السورية المقبلة وفي ضوء ما ستؤول إليه الأوضاع السورية؟

إن الاجابة عن هذه الأسئلة وغيرها مرتبط بتطورات الأحوال في سورية، وهي تدخل في نطاق الاحتمالات والتوقعات السياسية. على أن مثل هذه التوقعات تندرج في باب عدم اليقين إلى حد كبير، ومن الصعب معرفة مآلات الأمور على المدى البعيد، لكن يمكننا قراءة المسارات الممكنة في ضوء ما يجري الآن وفي ضوء ما يتم الحديث عنه في الأوساط السياسية السورية، أَكان ذلك لدى المعارضة بمختلف اتجاهاتها وتكويناتها، أو لدى النظام السوري في آن معاً.

يمكننا تصنيف احتمالات المستقبل في سورية، على المدى المتوسط، بأربعة احتمالات منطقية هي:

1- انتصار النظام السوري على المعارضة، ما يعني استمراره في الحكم، وهو احتمال ضعيف.

2- انتصار المعارضة السورية على النظام، وهو احتمال ضعيف أيضاً.

3- التوصل إلى تسوية دولية وإقليمية يعقبها تأسيس نظام جديد سيكون عبارة عن محصلة سياسية لميزان القوى بين النظام والمعارضة (ربما تتضمن مثل هذه التسوية مغادرة الرئيس بشار الأسد ومجموعته قمة السلطة). وهذا احتمال ممكن.

4- عدم التوصل إلى أي تسوية ما يعني دخول سورية في حال من الفوضى المتمادية. وهو احتمال ممكن أيضاً.

إن مصير الفلسطينيين مرهون بواحد من هذه الاحتمالات، ومرتبط مباشرة بتفاعلات الأحداث السورية، وبالنتائج  التي يمكن أن تتمخض عنها مجريات الصراع على السلطة. وجميع التوقعات تشير إلى أن أوضاع الفلسطينيين في سورية لن تبقى على ما كانت عليه أبداً، وهي ستتغير في جميع الأحوال، وربما تتغير جذرياً بحسب نقطة النهاية التي سترسو عندها المسألة السورية في آخر المطاف.

 

معلومات أولية

بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على الأراضي السورية، بحسب احصاءات هيئة اللاجئين، نحو 490 ألفاً، ويضاف إلى هؤلاء نحو مئة وخمسين ألفاً آخرين من الفلسطينيين المقيمين في سورية لأسباب سياسية، والذين تقاطروا على سورية على مراحل منذ سنة 1970 فصاعداً، من غزة والأردن ولبنان والعراق والكويت. والمعروف أن المجتمع الفلسطيني في سورية مجتمع مستقر، وأن نسبة الهجرة إلى الخارج بقيت محدودة جداً حتى نهاية القرن العشرين، ثم بدأت بالتصاعد لأسباب تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والتفتيش عن أماكن جديدة لتحسين الأحوال الخاصة. وينتشر الفلسطينيون في جميع المحافظات السورية من حلب شمالاً حتى درعا في الجنوب، ويعاملون، كما هو معروف، كالسوريين تماماً ما عدا الجنسية والترشح للانتخابات التشريعية بموجب القانون 260 الصادر في سنة 1956، علماً أن كثيرين منهم نالوا الجنسية السورية في فترات مختلفة ولاعتبارات كثيرة. وقد لمع كثير  من الفلسطينيين السوريين في ميادين الثقافة والفن والعلم والسياسة ، فكان منهم وزراء أمثال أحمد درويش (من ترشيحا)، وضباط كبار أمثال اللواء مصباح البديري (قائد المنطقة الوسطى)، والعميد محمود عزام (رئيس أركان سلاح الطيران)، واللواء محمد الشاعر (مسؤول التحصينات في الجبهة)،وكتاب وأدباء وشعراء مشهورون أمثال غسان كنفاني وأحمد دحبور وحسام الخطيب وأحمد برقاوي وخيرية قاسمية ويوسف سلامة وسميح شبيب وفيصل دراج وبلال الحسن، وفنانون معروفون أمثال نادين سلامة ونسرين طافش وشكران مرتجى وزيناتي قدسية ويوسف حنا وأديب قدورة وعبد الرحمن أبو القاسم، علاوة على باسل الخطيب والمثنى صبح وهاني السعدي وحسين نازك.

هذا كله سيتغير، على الأرجح، بحسب النتائج النهائية للقتال الجاري في سورية اليوم. وقد غادر سورية، منذ بدء القتال، نحو 120 ألف فلسطيني وصل معظمهم إلى لبنان، وبعضهم غادر إلى مصر والأردن وتركيا. ومن أماكن اللجوء الجديدة بدأت محاولة الهجرة إلى البلاد الأوروبية، ما يعني التوطين، لكن في دول ثالثة.

 

احتمالات المستقبل

يمكن استكشاف مستقبل الفلسطينيين في سورية بناء على الاحتمالات السابقة على النحو التالي: 

أولاً: في حال انتصر النظام على المعارضة  (وهو احتمال ضعيف كما ذكرنا)، فإن النظام صارت لديه ريبة من بعض الفلسطينيين الذين انضموا إلى المعارضة مثل مجموعات من حركة حماس، والذين مارسوا القتال ضد الجيش السوري. ومن المتوقع ان يتشدد النظام السوري في وجه الفلسطينيين، وأن تزداد قبضته الأمنية على المخيمات بذريعة أن هذه المخيمات تأوي مجموعات معارضة له. وربما يزداد التشدد على صعيد المعاملات والاجراءات الادارية، ويمتد إلى الوظائف العامة. ومنذ الآن بدأت ترتفع نغمة "سورية أولاً"، وهي معاكسة للثقافة العامة في سورية ذات المحتوى العروبي التي لم يكن تثير أي حساسية ضد الفلسطينيين الذين يتبوأون وظائف في إدارات الدولة. لكن الحرب الأهلية ستؤدي إلى بروز النزعة الوطنية على حساب النزعة القومية.

ثانياً: في حال انتصار المعارضة على النظام (وهو احتمال ضعيف أيضاً)، فإن الأمر نفسه سيحل بالفلسطينيين، ولكن بصورة معكوسة. فمعظم قوى المعارضة السورية تنظر بعين الكراهية نحو الفلسطينيين الذين وقفوا إلى جانب النظام السوري وقاتلوا في صفوفه مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة و"الصاعقة". ثم إن الكتلة البشرية الرئيسة بين الفلسطينيين هي كتلة محايدة لا ترغب في استمرار الحرب التي أصابتها في أمنها واستقرارها وممتلكاتها، وشردت الكثيرين إلى لبنان والأردن ودول العالم. والمعارضة تنظر بعين الارتياب إلى هذه الكتلة التي حارت في موقفها وبقيت محايدة مع الميل المكتوم إلى النظام.

ثالثاً: في حال التوصل إلى تسوية دولية تؤسس لنظام حكم جديد وديمقراطي، فمن المتوقع إعادة النظر في بعض التسهيلات السورية التي كانت الفصائل الفلسطينية تحصل عليها، مثل حرية العمل السياسي في المخيمات، وحرية حمل السلاح لبعض المنظمات الموالية للنظام. كما أن الدولة السورية التي كانت تقدم المعونات المالية والعينية إلى "الصاعقة" و"الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، ستمتنع عن ذلك تماماً، لأن الدولة الجديدة لن تكون ملزمة إعانة هذه المنظمات ومنها، ربما، جيش التحرير الفلسطيني، الأمر الذي سيؤدي إلى انقلاب في الخريطة السياسية للفصائل الفلسطينية في سورية، وبعضها ربما سيندثر.

رابعاً: إذا دبت الفوضى في سورية جراء استمرار القتال وامتداده وتصاعده من دون إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية، فإن المخيمات الفلسطينية كلها ستكون عرضة للتدمير، لأنها واقعة في مناطق قتالية. ومع أن بعض المخيمات تضرر كثيراً حتى الآن مثل مخيمي درعا والطوارئ في درعا، واليرموك في دمشق ومخيم الرمل في اللاذقية علاوة على التجمعات السكانية في السبينة والست زينب، فإن مخيمات أخرى ما زالت الأضرار فيها قليلة مثل النيرب وحندرات في حلب، ومخيم العائدين في حمص ومخيم جرمانا في دمشق، ومخيم خان الشيخ في ريف دمشق. لكن في حال اشتعال الفوضى فإن من المتوقع ان يمتد التدمير إلى المخيمات الباقية، وان يتم تهجير الفلسطينيين، كالسوريين، إما إلى خارج سورية أو إلى أماكن أكثر أمناً نسبياً في داخل سورية... هذا في حال بقيت هناك أماكن آمنة في سورية لتحمي النازحين إليها.

إن الفوضى قد تدفع بستمئة ألف فلسطيني في سورية إلى مغادرتها، وهذا يعني كارثة كبيرة للفلسطينيين في الشتات، ولا سيما ان تدفق اللاجئين على الأردن أو على لبنان دونه عقبات كثيرة جراء الحساسيات الأردنية واللبنانية ديمغرافياً وطائفياً. وإذا لم تتمكن الكتلة الفلسطينية الأكبر من تأمين مناطق آمنة لها، فهذا يعني أنها ستكون عرضة للقتل والانتقام جراء الاقتتال الأهلي والاحتراب العسكري بين القوى المتصارعة.

إننا على أبواب كارثة بشرية وسياسية تطال ليس اللاجئين الفلسطينيين من سورية وحدهم، بل قضية اللاجئين وحق العودة، وقضية فلسطين أيضاً.