يحكى أن غراباً كان له وكرٌ في شجرةٍ على جبلٍ؛ وكان قريباً منه جحر ثعبانٍ أسود، فكان الغراب إذا فرخ عمد الثعبان إلى فراخه فأكلها؛ فبلغ ذاك من الغراب وأحزنه، فشكا ذلك إلى صديق له من بنات آوى؛ وقال له: أريد مشاورتك في أمرٍ قد عزمت عليه؛ قال: وما هو? قال الغراب: قد عزمت أن أذهب اليوم إلى الثعبان الأسود إذا نام، فأنقر عينيه، فأفقأهما، لعلي أستريح منه. قال ابن آوى: بئس الحيلة التي احتلت؛ فالتمس أمراً تصيب فيه بغيتك من الثعبان، من غير ضرر لك. وسأدلك على أمرٍ، إن أنت قدرت عليه، كان فيه هلاك الثعبان من غير أن تهلك به نفسك، وتكون فيه سلامتك. قال الغراب وما ذاك? قال ابن آوى: تنطلق فتبصر في طيرانك: لعلك تظفر بشيءٍ من حلي النساء فتخطفه؛ ولا تزال طائراً واقعاً، بحيث لا تفوت العيون، حتى تأتي جحر الثعبان فترمي بالحلي عنده. فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم وأراحوك من الثعبان، وهذا ما كان.
وذكرت هذه القصة في محاضرة لي عن "الاتصالات الفعالة في التنظيم" لسببين الأول هو الحث على المشاورة والمشاركة كأساس في الاتصالات الفعالة عامة وفي الاتصالات الجماعية والتنظيمية خاصة، ولأرد على سؤال حول التذكر الذي يقتضي 4 نقاط هي: التكرار للموضوع أو الاسم المراد تذكره، والربط بينه وشيء مألوف لديك، والكتابة للفكرة على الورق أو الموضوع أو الاسم للشخص مثلا، ورابعا الاستخدام فأنا هنا فعلت الأمور الأربعة كلها التي كان آخرها (الاستخدام بأن رويت القصة).
إن قصة الغراب والثعلب والثعبان عدا عن أنها جاءت في معرض (التذكر) و(المشاركة) كنموذج سهل الحفظ، فإنها قصة تعليمية تداخلت مع المفهوم المفترض أن يحمله الحضور في الندوة المتمثل بالأشكال الخمسة للاتصال الفعال في المحاضرة وهي الملخصة بالتالي: استمع اسأل تكلم، عبر، تفاعل تعلم، استفد استمتع، نعم فبدون أن يشعر الشخص بالاهتمام إلى درجة الاستمتاع فما الذي يجبره على الاستمرار، وهنا يأتي دور المتحدث بإتقان فن العرض والحديث.
لماذا نحتاج الآخرين ؟
في الاتصالات الشخصية تعبير عن (حاجة) وما دامت الحاجة في أسفل الهرم (هرم ماسلو للحاجات الإنسانية) فإن إشباعها يؤهل المرء للانتقال لتغطية الحاجات الأعلى في السلم أو الهرم، حيث يكون الغذاء والشرب والحصول على الدفء أو البرودة من أوليّات هذه الحاجات، والتي يليها في الدرجة الثانية الأعلى في الهرم الأمن والأمان، تم بالدرجة الثالثة: الانتماء للجماعة، والحب وفي كل الحالات نحتاج للاتصالات، ولكن عند (الانتماء) (للجماعة) تصبح (الاتصالات) ذات أثر مهم جدا بالترقي في السلم وصولا للحصول على الاعتراف والاحترام والتقدير للذات ما هي الدرجة الرابعة وصولا لتحقيق الذات.
ونحن بتطويرنا لذاتنا في الدوائر الأربع: الفكرية (العقل والتفكير) والنفسية بالقيم والأخلاق، والروحية بالإيمان والضمير، والجسدية (الأكل والرياضة و... ) نحتاج للتواصل، لا سيما والانتماء للجماعة صلة تنمو وتتطور بالاتصالات "الفعالة"، وعليه فنحن نحتاج لبعضنا البعض كما تقول الكاتبة (ليزا زكاكيني) في مدونتها على موقع (إي زين) فالحياة (ليست قبضة يد مغلقة، وإنما هي كاليد المفتوحة تنتظر أخرى لتدعمها)، وعليه فإن هناك 5 أسباب تؤكد لنا (لماذا نحتاج بعضنا بعضا):
1. نحن لا نمتلك كل الإجابات، فقد يكون لديك خطة أو فكرة أو عمل محدد تبتغي تحقيقه، ولكن أي عمل في حقيقته يحتاج للآخرين بشكل أو آخر، وعليه فإن التنفيذ لمشروعك يحتاج للآخر، ومن هنا تصبح القوة ليست في المشابهة والتماثل بقدر ما هي في الاختلاف الذي يمكّن الأشياء أن تحدث.
2. المسؤولية: حيث إن لكل شخص دور في حياته (وفي حياتك) أو أدوار، وهذا الدور يتم صنعه أو لعبه بوجود الآخرين، وفي حياتنا للناس أدوار ما، ومن هنا تبرز المسؤولية عن التصرفات فهي مسؤولية عن الذات وأمام أو عن الآخرين.
3. التنافسية: الحياة بلا تحديات أو منافسة مع الآخرين تكون بلا طعم، (ويكون للقلة من الناس أن يشعلوا المنافسة مع الذات للأفضل) فأن أكسب في سباق الجري، أو في صفقة تجارية، أو مسابقة فنية أو إعلامية، أو أن أكسب في مدرستي وموادي التي أدرسها، أو في حوار أدرته... الخ يضع لحياتي طعما جميلا، وأن أتعثر في منافسة ثم أقوم لأطور من ذاتي وأعود لذلك كشخص سواء أو كفريق أو جماعة (تنظيم) هو جوهر العملية الانتخابية السياسية أو في جميع المنظمات المجتمعية والسياسية.
4. الشعور بالانجاز: لطالما أكد القائد الكبير هاني الحسن على ضرورة أن يقدم التنظيم انجازاً أو انجازات كبرى لمنتسبيه، وفيهم يكون الانجاز حافزا وملهما من جهة، وليعمل على دفع عجلة العمل وبناء الروح المعنوية وانتشال البائسين اليائسين السوداويين من مظلمتهم، فالانجاز الذاتي والتنظيمي هو شعور فائق الجمال إنسانيا، وهو في سياق الفكرة الوطنية يعد نصرا يتلوه نصر.
5. الحب: في حركة فتح نمتلك (قانون المحبة) الذي يجعل في كثير من الأحيان أن تتم التوافقات والمصالحات والاقترابات بين المختلفين ولو على حساب بعض القواعد، فبالحب نحب أنفسنا ونحب الآخرين ونتعلم وبدونه نحن أجزاء مبعثرة، أو أركان متباعدة كزوايا المربع بدون أضلاع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها