لا تزال الفعاليات التضامنية مع الأسرى المضربين عن الطعام منذ أكثر من خمسين يوماً دون الحد الأدنى المطلوب من الجماهير الفلسطينية لنقل هذه القضية إلى سلّم أولويات نضالنا، وتشكيل فعل ضاغط على سلطات الاحتلال التي تزداد عنجهيتها في معالجة هذا الملف.

هي مسيرات أو وقفات في أماكن متفرقة في مدن فلسطين وقراها ومخيماتها، ولكنها أضعف مما يجب أن نقدمه للأسرى الذين ضحّوا بربيع عمرهم من أجلنا، ومن أجل حريتنا، ومن أجل فلسطين مستقلة...

من المخجل بل المحزن أن يشارك في المسيرات عشرات الأشخاص وفي قليل منها المئات، ولا ندري ما هو شعور أي مواطن تمر مسيرة نضالية مع الأسرى ينظمها نادي الأسير أو المؤسسات الحقوقية والقانونية والجمعيات المدافعة عنهم ويكتفي فقط بالنظر إليها... وكأن الأمر لا قيمة له أو أن الأمر لا يعنيه.

أما في خيام الاعتصام المنصوبة في كثير من المناطق فحدث ولا حرج... فهي شبه خاوية إلاّ من القليلين من ذوي الأسرى أو بعض المحررين الذين يعرفون معنى الإضراب عن الطعام... ومدى تحمل الأسرى في سبيل هذه الخطوة النضالية... إحدى الخيام في مفترق رئيس في محافظة رام الله والبيرة منذ اليوم الأول لنصبها وحتى الآن لم نشاهد أحداً بداخلها، فلماذا نصبت، وما هو الهدف منها إذا لم تتحرك الجماهير.

ربما في الأيام الأخيرة ارتفعت وتيرة الفعاليات الاحتجاجية والتضامنية ولكنها بقيت دون الحد الأدنى الذي يخلق حالة جماهيرية جامعة.

خطورة القضية أن الأيام تمر بسرعة وأوضاع المضربين الصحية في تدهور مستمر... يناشدون هم وعائلاتهم العرب وأحرار العالم سرعة التدخل من أجل نيل حريتهم... وعندما تصل الأمور إلى تبرع المضربين عن الطعام بأعضائهم عند استشهادهم فهي رسالة يصفعون بها كل الوجوه ويؤكدون شعورهم بالخذلان...

أمام هذا الوضع، فإن سلطات الاحتلال تشعر بعدم وجود ضغوط حقيقية عليها، وتلعب على عامل الزمن أو وصول المضربين إلى مرحلة اليأس لوقف إضرابهم. بمعنى آخر هي لا تفهم إلاّ لغة القوة والمواجهة، ففي اللحظة التي تتأكد فيها قيادات الاحتلال من أن هناك خطورة على الأرض وأنها ستدفع ثمناً لمواقفها تجاه تعنتها في قضية الأسرى سيتغير المشهد... وهذا ما أكدته التجارب السابقة سواء في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أو مجمل الإضرابات التي خاضها الأسرى خلال السنتين الماضيتين.

عندما تحولت القضية إلى هبّة جماهيرية أو انتفاضة تجاه سلطات الاحتلال، وبدأت تشعر بتدهور الأوضاع، تغيرت المواقف وأجبرت إدارات السجون على الاستجابة لمعظم مطالب الأسرى.

إذن نحن الآن أمام وضع في غاية الخطورة قبل أن تحمل وسائل الإعلام أخبار استشهاد أسير مضرب أو أكثر وعندها لا ينفع الندم، بل ربما سنظل نجلد أنفسنا بأننا تأخرنا كثيراً في دعمهم... وحمل قضيتهم.

هذه مسؤولية كل فلسطين من أعلى هرم القيادة وحتى القاعدة الجماهيرية، بحيث إن إعادة تعظيم هذه الفعاليات، وإيجاد قيادة موحدة لها في كل الأرض الفلسطينية، يشارك فيها كل مواطن حسب موقعه وقدرته على التأثير...

عندما نرى المسيرات بالآلاف... واقتراب المواجهات أكثر وأكثر من قوات الاحتلال... عندها سنقول نجحنا في خلق رأي عام محلي ودولي لوقف جرائم الاحتلال في هذا الملف