خاص/ مجلة القدس، إن جدران السجن قد تفصل بين السجين وحريته ولكنها لا تستطيع أن تفصل بينه وبين كرامته. واقع الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية يروي  قصة صراع بين الأسير وجلاده لنيل أبسط الحقوق التي كفلتها له هذه القوانين والاتفاقيات. ومن أبرزها:

 

أولاً : فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني

هناك اتفاقيات جنيف وبشكل خاص الاتفاقية الرابعة " حماية السكان المدنيين وقت الحرب" والبروتوكولان الملحقان بها وبشكل خاص البروتوكول الأول " الخاص بالمنازعات الدولية " التي تعالج:

- خطر استخدام وسائل قتالية تؤدي إلى المعاناة وإلحاق أضرار في البيئة.

- تقديم وجمع معلومات عن المفقودين والقتلى.

- حماية المدنيين وحماية من يقع في قبضة العدو.

إلا أن إسرائيل والتي وقّعت اتفاقية جنيف الرابعة، لا تعتبرها ذات انطباق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أن إسرائيل ومع بداية احتلال الضفة الغربية و قطاع غزة والقدس الشرقية كانت قد اعتبرت أن الاتفاقية تطبق، إلا أنها سارعت لإلغاء ذلك عام 1967 بأمر عسكري يبطل استعمال اتفاقية جنيف الرابعة، وبالتالي فهي تعتبر أن قانونها الداخلي "الأوامر العسكرية" هي النافذة لحماية أمنها.

 

ثانياً: القانون الدولي واحترام حقوق الاسرى

تتضمن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، العديد من الحقوق الواجب احترامها فيما يتعلق بإجراءات القبض أو الاحتجاز أو المحاكمة العادلة، ولكن اسرائيل تقوم بانتهاك غالبيتها، وخاصة فيما يتعلق بممارسة التعذيب، وأماكن الاحتجاز، وحقوق المعتقلين والأسرى داخل السجون، والمحاكمات غير العادلة.

اسرائيل تخرق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المعتقلين الفلسطينيين

ففي الاعلان العالمي لحقوق الانسان ووفقا للمادة (5) والتي تنص على أنه " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة " والمادة (9) منه والتي تنص على أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا"

فإن اسرائيل تقوم باحتجاز أكثر من 5000 معتقل إداري تحت حجة وجود ملف سري وهي بهذا  تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتناول المادة التاسعـة منه  الحقوق والآليات التي يجب أن تتبعها الدول في  عملية الإعتقال والتوقيف، ولكن اسرائيل لا تطبق الآليات المنصوص عليها في هذا العهد.

وفي اتفاقية مناهضة التعذيب أشارت المادة (1)، (2) من هذه الاتفاقية إلى التعريف بالتعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية وعدم جواز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت سواء أكانت حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي أو حالة طوارئ تستخدم كمبرر للتعذيب.

 ونصت المادة الرابعة بالالتزامات التي يجب أن تتبعها الدول وذلك بإلزامها بمنع جميع أعمال التعذيب بموجب قانونها الجنائي.

(فإسرائيل تتذرع بالظروف الاستثنائية لأخذ إذن خاص لممارسة التعذيب بحق المدنيين الفلسطينيين)

الإعلان الدولي لحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.

نصت المادة (12) من هذا الإعلان على أنه إذا ثبت أن الإدلاء ببيان ما كان نتيجة لتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية فإنه لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلا ضد الشخص المعني. ففي مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن

تضمنت هذه المجموعة العديد من المبادئ التي يجب أن تتبعها الدول في عمليات الاحتجاز والسجن والشكـل القانوني للمعامـلة، ضمن المبـادئ (1) و (2) و (3) و (10) و (11) و (16) و (17) و (18).

إن المبادئ سالفة الذكر تشكل جزءاً أساسياً من المبادئ الواجب احترامها، لكن إسرائيل ماضية في انتهاكها، بل إن الواقع الحالي للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية يزداد صعوبة عما قبل، من حيث استمرار استخدام التعذيب والعزل ومنع زيارات الأهالي واستمرار سياسة الاعتقال الإداري. وتمارس إسرائيل العديد من الخروقات الدولية، ومن أبرز تلك الخروقات ما يلي :

التعذيب:

تعمد أجهزة الأمن الإسرائيلية لاستخدام أسلوب ممنهج لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين داخل أقبية التحقيق الإسرائيلية، حيث يتم استخدام أسلوب الشبْح و الحرمان من النوم وإسماع الموسيقى الصاخبة والضرب والهز والتهديد بالاستغلال الجسدي، والتقييد العنيف للأيدي والأقدام، وتعريض المتهم للإضاءة القوية والضغط على الرقاب، وتعريض الأسير للحرارة العالية تارة والبرودة تارة أخرى، وغيرها من الاساليب. وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثانية منه على أنه: " لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب".

و تعمد الأجهزة الإسرائيلية المذكورة لاستخدام أساليب التعذيب المختلفة بهدف التأثير على الأسرى و نزع الاعترافات منهم بالقوة الأمر الذي يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي العام والمواثيق الدولية.

عدم توافر العناية الطبية الملائمة

لقد تدهورت الظروف الصحية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بشكل ملحوظ، خصوصاً خلال انتفاضة الأقصى حيث تفتقر السجون الإسرائيلية للطاقم الطبي الكافي لعلاج الأمراض التي تصيب المعتقلين، كما أن غياب اللوازم الطبية داخل السجون الإسرائيلية يزيد من حدة تدهور الأوضاع الصحية للأسرى.

وتنتهك إسرائيل المادة (91) من اتفاقية جنيف التي تؤكد على ما يلي:

"توفر عناية مناسبة في كل معتقل، يشرف عليها طبيب مؤهل ويحصل فيها المعتقلون كل ما يحتاجونه من رعاية طبية وكذلك على نظام غذائي مناسب".

هذا وقد سجلت الإحصائيات الفلسطينية عدداً من شهداء الحركة الأسيرة الذين فقدوا حقهم في الحياة نتيجة للإهمال الطبي داخل المعتقلات " افتقارهم لحقهم في العلاج والرعاية الطبية" .

نقص الاحتياجات المعيشية داخل السجون

مع ازدياد عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية ازدادت الحاجة لمتطلبات معيشية بكميات أكبر من تلك المقررة بموجب قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية القاضي بتخصيص مبلغ يعادل (500دولار) سنوياً لتغطية كافة المتطلبات المعيشية للأسير الواحد من مأكل و مشرب و ملبس و احتياجات أخرى، و أصبح الاعتماد الرئيسي للأسرى الفلسطينيين في تلبية احتياجاتهم المعيشية داخل السجون على المعونات الخارجية المقدمة من المؤسسات الحقوقية الراعية لشؤون الأسرى وعلى ما يمكن تقديمه من قبل الأهالي عبر الزيارات لمن يسمح لهم بالزيارة.

العزل

تتبع إسرائيل سياسة العزل الانفرادي للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية كوسيلة للضغط على الأسير لانتزاع الاعترافات من قبله، أو كعقوبة لأي فعل يصدر عن الأسير يشكل من وجهة النظر الإسرائيلية خرقاً للنظام المتبع داخل المعتقل. وغالباً ما يتم العزل دونما مبرر قانوني أو شرعي، اللهم ان ذلك الأسير متهم بقضايا أمنية يحظر معها اختلاطه بالغير ويحظر عليه التمتع بأية امتيازات أخرى قد يتمتع بها غيره من الأسرى غير المعزولين، وهذا الأمر بالطبع يؤثر سلباً على وضع الأسير النفسي والجسدي.

الحرمان من زيارة الأهل

إن عملية حجز المعتقلين الفلسطينيين داخل مناطق إسرائيل يعني حرمان المعتقلين من زيارة عائلاتهم لهم. حيث يخضع برنامج لجنة الصليب الأحمر الدولي الخاص بزيارة العائلات لذويهم من المعتقلين لقيود مشددة سيما مع بداية انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول من العام 2000م، حيث أعلنت قوات الاحتلال عن إلغائها لبرنامج الزيارات المذكور لأجل غير مسمى. ثم عادت واستأنفته في العام 2001م ولكن على فترات متقطعة ووفقاً لقيود وتدابير قاسية، بحيث يتم حرمان من ليسوا من الدرجة الأولى من زيارة أقاربهم من الأسرى، كما يحرم أبناء الأسرى ممن تزيد أعمارهم عن أل 15 عاماً من زيارة آبائهم، وفي ذلك مخالفة لأحكام المادة (116) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أنه: "يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه وعلى الأخص أقاربه على فترات و بقدر ما يمكن من التواتر".

وحرمان المعتقلين من تلك الزيارات يؤثر سلباً على أوضاعهم المعيشية والنفسية، فهم لا يستطيعون الحصول على الاحتياجات والأمتعة الضرورية لممارسة حياتهم كالملابس والطعام الذي يتم إدخاله عبر زيارات الأهالي.

هدم بيوت المعتقلين كجزء من العقوبة

تعمد سلطة الاحتلال الإسرائيلية في الفترة الأخيرة لاستخدام سياسة هدم البيوت كأسلوب من أساليب العقاب الجماعي للأسير و عائلته تحت مبررات غير شرعية وغير قانونية، وتساهم محكمة العدل العليا الإسرائيلية بتبرير تلك العقوبة حتى في حالة كون الأسير موقوفاً و ليس محكوماً (متهم غير مدان بحكم قضائي) تحت ذريعة ارتكاب الأسير لأفعال تمس بالأمن الإسرائيلي. ويصدر قرار هدم منزل الأسير بمجرد اعتقاله حتى قبل انتهاء التحقيق معه وغالباً ما يتم تنفيذ قرار الهدم قبل الإدانة. وبذلك تخالف إسرائيل قواعد ومبادئ قانون الحرب بشأن معاملة المدنيين أثناء الصراعات المسلحة، بحسب نص المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

وتعمد حكومة الاحتلال  لترحيل ونقل عدد من الأسرى الفلسطينيين إلى خارج البلاد كشكل من أشكال العقوبات التي تمارسها في مواجهة المعتقلين الفلسطينيين.

الاعتقال الإداري

تصدر أوامر الاعتقال الإداري عن قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، وعن وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس والمناطق الإسرائيلية، وتسمح إجراءات الاعتقال الإداري لقوات الاحتلال باعتقال الفلسطينيين لفترات تتراوح بين 3-6 أشهر تتجدد لعدد من المرات وفقا لما تراه قوات الاحتلال مناسباً، وذلك دون تقديم الأسير لإجراءات محاكمة، ودون تقديم أية اتهامات في مواجهته.

وتستند إسرائيل في أحكامها تلك على ما يعرف "بالمادة السرية" المتعلقة بالمساس بالأمن الإسرائيلي وهو ما يعتبر منافياً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

        

                                                                                                              اعداد: هبة الغول