خاص/ مجلة القدس، خلال الشهر الفائت، قرأت كتاباً بعنوان "أسرى في لبنان – الحقيقة عن حرب لبنان الثانية" وهو من تأليف المعلق السياسي في صحيفة معاريف وقناة التلفزة الاسرائيلية العاشرة، عوف شيلح والمعلق العسكري في القناة الاسرائيلية الأولى يؤاف لينور، بنسخته العربية المترجمة.

يعرض الكتاب (542 صفحة) حرب تموز بتفصيلات دقيقة ومتابعات لكل الأعمال العسكرية والسياسية التي رافقت الحرب، وإذا كان المؤلفان قد نظرا إلى أن الفشل الاسرائيلي في الحرب ظل يتيماً، إلا أن الوقائع التي تضمنها الكتاب تشير إلى مسؤولية رأس المؤسستين السياسية والعسكرية والذي يضم رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيريتس ورئيس هيئة الأركان العامة دان حلوتس.

فيبدو من الكتاب إن رئيس الحكومة اتخذ قرار شن الحرب في 12 تموز 2006 بتسرع، ومن دون فحص عميق لساحة المعركة وللأسباب السياسية، قرار حرب من دون خطة موضوعة جيداً، وبدون مسار استراتيجي واضح. أما وزير الدفاع فلم يكن على اطلاع جيد بالساحة اللبنانية ولا على المبادئ الأساسية لاستخدام القوة العسكرية أداة لتحقيق أهداف سياسية.

ورئيس الأركان كانت تقديراته وتوصياته مركزية وحاسمة وأدار بشكل فردي نشاطات الجيش، ولم يستمع لملاحظات القادة العسكريين الآخرين، لكنه افتقد يوم صدور الأمر بشن الحرب لخطط معدة وواقعية للقتال في الساحة اللبنانية.

ومن خلال التفاصيل التي وردت في الكتاب المذكور، يبدو أن الفشل الاسرائيلي في حرب تموز يعود إلى أسباب عديدة يمكن إيرادها على الشكل الآتي:

 

أولاً: للمرة الأولى منذ تأسيس دولة اسرائيل، تدخل اسرائيل حرباً وفي موقع رئيس الوزراء مدنيٌّ لم تكن له علاقة بالمؤسسة العسكرية ووزيرٌ للدفاع أتى من الهستدروت وبالتالي فإن تدخلهما في تحديد مسار الحرب والاستراتيجيات المتبعة كان معدماً وكانا أسيرا الرأي الذي يقدمه رئيس هيئة الأركان.

 

ثانياً: أتى قرار حرب تموز والجيش الاسرائيلي ينشط بشكل رئيس في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 2000. فبعد الانتفاضة الثانية، توجهت القوى الأساسية للجيش الاسرائيلي للعمل في المناطق الفلسطينية ووضعت خططها وتدريباتها في ظل رؤية أن الحرب الأساسية هناك في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وأن التدريبات كانت تجري لقوات الاحتياط وللقوى المنظمة الأخرى لمواجهة الفلسطينيين المتواجدين في المدن الفلسطينية المختلفة.

 

ثالثاً: التقدير الناقص لقدرات الخصم ودراسته بشكل تفصيلي، فبعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000، تقلص النشاط الاسرائيلي واقتصر على بعض المتابعات الأمنية عبر الاستخبارات العسكرية ولم تتابع من الأجهزة الأمنية الأخرى تطور الأوضاع الداخلية لحزب الله، لم تهتم بالمحميات الطبيعية التي استخدمها حزب الله كمواقع لتخبئة عناصره. وفي الكتاب إشارات عدة لعجز الأجهزة الأمنية عن الاختراقات الواسعة لحزب الله. مما جعل الجيش الاسرائيلي يفاجأ بقدرات الحزب وإمكاناته وخصوصاً بعد كشفه مركزاً للحزب، في إحدى قرى الجنوب، يحوي أجهزة تنصت متطورة زودت الحزب باتصالات الجيش كافة.

 

رابعاً: مجيء دان حلوتس من سلاح الجو إلى أعلى مركز عسكري، كان يعطى دائماً لقائد من القوى البرية أو المدرعات، جعلت منه عاجزاً عن قيادة جيش جرار متنوع يضم مقاتلين نظاميين وقوات احتياطية، وهو المعتاد على قيادة سلاح الجو المتخصص والصغير نسبياً. كما أنه من أنصار أن اسرائيل قادرة على قهر أعدائها عبر الضربات الجوية المتلاحقة والمدمرة.

 

خامساً: إن النقاش الاسرائيلي حول تحديث وتطوير الجيش الاسرائيلي لم يكن محسوماً آنذاك، بين وجهتي نظر متباينتين : الأولى ترى أن المستقبل لجيش صغير منظم ومتفرغ يعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ويمتلك قوة سلاح جو حاسمة في القدرة على تدمير العدو. وبين وجهة نظر توازن بين سلاح جو متطور وبين سلاح مدرعات ومشاة قادر على السيطرة على الأرض وتمشيطها شبراً شبراً.

في تموز 2006 لم يكن الرأي محسوماً بين الوجهتين، مما أعاق عمل الجيش الاسرائيلي وبقيت خطط الحملة البرية تراوح مكانها، وسلاح الجو دمر بنك أهدافه من دون أن يصل إلى تحقيق الأهداف التي طرحت عند بدء الحرب.

 

سادساً: بعد عام 2000، قل الإهتمام بالتدريب الدوري لقوات الإحتياط وتحول جنود الإحتياط إلى قوى مهملة يجري تدريبها على عجل ودفعها إلى ساحة المعركة من دون تأمين لوازمها اللوجستية أيضاً، وبرز من وقائع الكتاب أن العديد من الإحتياط قد نسي كيفية إدارة دبابة. وبعض الإحتياط لم يطلع على التحديثات التي أدخلت إلى سلاح المدرعات.

 

سابعاً: يفهم من الكتاب أن الإهتمام بالجبهة الداخلية كان معدماً وخصوصاً أن الداخل الاسرائيلي تحول إلى جبهة قتال شأنه شأن الحدود الشمالية.

 

ثامناً: يمكن الاستنتاج أن الجيش الاسرائيلي وقع أسيراً في يد هواة سياسيين لم يعانوا من صعوبات التأسيس ومن حماية النشأة كما وقع أسيراً في يد قادة عسكريين اهتموا بالحروب فيما بينهم أكثر من الحروب نفسها.

 

تاسعاً: اهتم الكتاب بالداخل الاسرائيلي أكثر من الخارج فركز على الأسباب الذاتية للفشل، لكن يمكن ملاحظة ما ورد فيه عن صمود عناصر حزب الله واطلاعهم الدقيق على أوضاع الجيش الاسرائيلي ونجاحهم في تنفيذ حرب عصابات فعلية.

من نتائج هذه الحرب، ليل 17 كانون الثاني 2007أن قدَّم حالوتس استقالته من منصب رئيس الأركان مستخدماً كلمة "مسؤولية" مرات عدة من دون الاعتراف بالفشل وفي ذلك الشتاء كان أولمرت وبيريتس ميتين سياسياً، وكانت قدرتهما على القيادة واتخاذ القرارات تقارب الصفر. وبقي أولمرت يجرجر قدميه إلى 30 تموز 2008 عندما أنهى حياته السياسية.

في 14 آب 2012 تمر الذكرى السادسة لوقف الأعمال الحربية من جانب اسرائيل في الجنوب اللبناني.

 

                                                                     إعداد: وفيق الهواري