بقلم: زهران معالي
في أول أيام العام الدراسي الجديد، خيمت أجواء من الحزن على وجوه الطالبات في مدرسة البنات الثانوية في بلدة كفر دان غرب مدينة جنين، لتغيب زميلتهن لجين أسامة مصلح، عن مقاعد الدراسة، بسبب ارتقائها شهيدة.
اصطفّت الطالبات في الطابور الصباحي دون لجين؛ بعدما غيبها رصاص قناص إسرائيلي خلال اقتحام البلدة في الثالث من الشهر الجاري، لكنها كانت حاضرة في عيون زميلاتها ومعلماتها، وفي كلمات الرثاء وقصائدهن في الإذاعة المدرسية.
تقول مديرة المدرسة بلسم أبو بكر: إنه عام حزين على المدرسة، طوال عملي كمديرة للمدرسة منذ ثمانية سنوات لم يمر علي أصعب من هذه المشاهد.
داخل غرفة الصف الحادي عشر، حيث كان من المقرر أن تلتحق لجين هذا العام، امتلأت المقاعد الدراسية بزميلاتها اللواتي ارتدين ملابس وحقائب جديدة، فيما بقي مقعدها في الصف الأول فارغا مغلفا بالعلم الفلسطيني، والكوفية، ودرعا يحمل اسمها.
وتضيف أبو بكر: "أن هذا اليوم كان بداية عام دراسي ثقيل على الطالبات بعد استشهاد لجين، والطالبات في حالة نفسية صعبة تحتاج إلى رفع المعنويات، لذلك خُصصت الحصة الأولى للمرشدة الاجتماعية لتخفيف من وطأة الصدمة، على فقدان لجين ذات الخلق والدين، والمحبوبة من الجميع".
وبينما كان والدا الشهيدة لجين يتحضران يوم الثلاثاء الماضي لشراء اللوازم المدرسية من قرطاسية والزي لأطفالهم، تمهيدًا للعام الدراسي الجديد، تفاجأوا بحصار منزل جيرانهم من عائلة كممجي من قوات خاصة إسرائيلية وعدة آليات عسكرية، وتعالي أصوات إطلاق النار والانفجارات.
ويقول أسامة مصلح والد الشهيدة لجين: إنه "كان برفقة ابنته لجين في غرفتها بالطابق الثاني من منزلهم، خلال حصار منزل عائلة كممجي الذي تم هدمه لاحقًا، قبل أن يغادر الغرفة، ولكن سرعان ما سمع أصوات اختراق الرصاص لنافذة غرفتها".
ويضيف: "أزاحت لجين ستار نافذة غرفتها للنظر إلى حصار المنزل، فباغت رصاص قناص الاحتلال جبهتها، وما إن وصلتُ غرفتها حتى وجدتها ملقاة على الأرض مضرجة بدمائها".
وعلى مدار أكثر من عشرين دقيقة، تعالى صراخ مصلح وعائلته في ساحة المنزل طلبًا للنجدة وإسعاف ابنتهم وفق قوله، حتى تمكنت مركبة الإسعاف من الوصول إليهم بعد محاولات عدة تعرضت خلالها المركبة لإطلاق النار من قناصة الاحتلال.
ويشير إلى أنه سارع إلى نقلها من المنزل إلى مركبة الإسعاف، ثم إلى مستشفى جنين الحكومي الذي كان يحاصره جيش الاحتلال، والذي ماطل في السماح بإدخالها لأكثر من عشر دقائق بحجة تفتيش مركبة الإسعاف والطلب من الطاقم تصوير جثمانها.
ولجين الثالثة في عائلتها المكونة من ولد وأربع بنات، حرمها الاحتلال من حلمها في استكمال دراستها في الفرع العلمي ومخططاتها لاختيار تخصص الأطراف الصناعية، وفق ما يؤكد والدها المكلوم.
وأسفر العدوان الإسرائيلي الذي استمر عشرة أيام على مدينة جنين ومخيمها وريفها، عن استشهاد 21 مواطنًا وإصابة 30 آخرين، بينهم إضافة إلى الشهيدة لجين، الشهيد محمد محمود حمو في الصف الخامس من مدرسة خليل الوزير الأساسية في بلدة اليامون، الذي اغتالته قوات الاحتلال على شارع حيفا غرب المدينة أثناء تطوعه لتقديم المساعدات إلى النازحين برفقة ابن عمه.
وصباح اليوم، توجه قرابة 45 ألف طالب إلى مقاعد الدراسة في المدارس التي تتبع لمديرية جنين، إلا أن طلبة مدارس المخيم لم يتمكنوا من الدوام هذا اليوم، نظرًا لاستمرار عمليات إزالة الركام، وفتح الطرقات التي تم تدميرها خلال العدوان الأخير.
وتبدو مشاهد الدمار ظاهرة في شوارع مدارس مدينة جنين ومخيمها، حيث مياه الصرف الصحي التي تحولت إلى برك في الشوارع، رغم الجهود التي بذلها الطواقم، كما الحال في الحي الشرقي من المدينة، حيث افتتحت مديرية التربية والتعليم في جنين العام الدراسي الجديد من مدرسة عز الدين الأساسية للبنين، والذي تعرض للحصار وتدمير البنية التحتية فيه خلال العدوان، كما تعرضت عدة مدارس لتدمير جدرانها.
وقال مدير تربية جنين طارق علاونة: إن "هذا العام هو عام الحق في التعليم بجنين، التي تعرضت لآلة الدمار والقتل الإسرائيلية، ولم تسلم منها المرافق التعليمية والمدارس".
وأضاف: "يأتي العام الدراسي في أوضاع صعبة مرت على جنين، بعد عدوان إسرائيلي استمر لعشرة أيام، إذ مُنع خلالها معلمو المدارس من الوصول إلى مدارسهم وبدء الدوام الذي كان مقرراً في كل محافظات الوطن في 2-9-2024".
وأشار إلى أن التربية أنهت استعداداتها لافتتاح العام الدراسي الجديد في مديرية جنين، رغم الظروف التي ألمّت بالمدينة وأحيائها ومخيمها، حيث تم الانتهاء من إزالة الركام وإعادة تأهيل الطرق المؤدية إلى المدارس في المناطق التي جرى تدميرها داخل مخيم جنين، والحي الشرقي، والمدينة، كما تم حصر الأضرار التي لحقت ببعض المدارس، ويجري العمل على ترميمها وإصلاحها.
وتابع: نبدأ العام الدراسي بفقدان شهيدين من طلبة المدارس لجين أسامة مصلح، والطالب محمد محمود حمو، وفي كل مرة تحدث فيها اقتحامات لمدينة جنين نفقد معلمًا، مثل المعلمين الشهيدين علام جردات وجواد بواقنة، أو طالبًا، كما تعرض العشرات للإصابات، كون الاحتلال يستهدف كل ما هو فلسطيني.
وأشار إلى أن التربية وضعت خططًا للطوارئ لإخلاء طلبة المدارس في حال الاقتحامات، بالتعاون مع لجان الطوارئ، وبروتكول في آلية التعامل في حالات الاقتحام، للحفاظ على سلامة الطلبة والطاقم التعليمي بطريقة منظمة واستجابة سريعة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها