كان المرض أقوى من جسد أبو الصادق، مما سمح له بأن يفتك بشرايين وأوردة وقلب شاعر الثورة وفتاها صلاح الدين الحسيني، ابن فلسطين البطلة، التي نذر نفسه لحبها وعشقها. حتى انه كما أعلن في آخر مقابلة له مع فضائية فلسطين، التي أجراها الزميل زعل ابو رقطي، لم ينظم ولا قصيدة في الحب والغزل. صب ابو الصادق جل ابداعه لفلسطين الشعب والأرض والقضية والثورة والمرتينة.
تسامى شاعر الثورة على ذاته، اسقط الـ «انا» وجيره لــ «نحن» للشعب ولحركة التحرير الوطني الفلسطيني وللثورة. غنى ابو الصادق للعاصفة والدار والقدس والجليل والمثلث وغزة ونابلس والخليل وبيت لحم. غنى للشهيد والجريح والأسير والمقاتل. غنى للقواعد والبيارات والمخيمات. لم يترك زاوية من زوايا الثورة الا ورتل لها أبياتاً من قصائده الناطقة بالحياة والعطاء والجمال والقوة والفروسية.
كان صلاح الدين الحسيني فارسا من فرسان الكلمة الوطنية. وشاعرا من شعرائها الميامين، لا بل رائدا من رواد القصيدة. كان ابو الصادق شامخا شموخ الثورة وشعبها.
رحل مع الثورة في ترحالها من بلد لبلد، لكن عقله وقلبه وقلمه، كانت لها بوصلة واحدة، بوصلة مؤشرها متجه دائما نحو الوطن والحرية والاستقلال.
وعندما عادت القيادة للوطن عاد معها، ومسك معول الثقافة والمعرفة، واخذ يبنى هنا وهناك فأكمل نظم شعره، وانشأ مسرح الطفل لايمانه بديمومة الحياة وتواصل الأجيال. فلقن الأجيال الجديدة أبجدية الثورة وبناء الدولة وركوب حصان العطاء للشعب وثقافته الوطنية.
لم ينم شاعر الثورة ولا لحظة. بقيت قضية التحرر تهزه كل صباح ومساء. لذا لم يكل ولم يمل في متابعة العطاء. لم ييأس من العقبات والعراقيل والنكبات المتلاحقة، التي لازمت الشعب ومنظمة التحرير والسلطة.
واجه ابو الصادق المرض بصلابة وشجاعة، لم يكن يريد من القيادة أكثر من ضمان العلاج وتأمين دخول المستشفى ليتمكن قلبه من ضخ الدم في شرايينه وأوردته، وليبقى عقله وقادا مشتعلا لانتاج أعمال شعرية جديدة يحاكي من خلالها قضايا الشعب والوطن، ويطرد وحل الانقلاب وزمرة المتاجرة. الذين حاولوا منذ اللحظة الاولى لانقلابهم القصاص من كل كلمة غناها للثورة. فسعى مشايخ الثقافة وانصارهم، الذين دفقوا كالبق على جسد الثقافة لتشويه صورة الشاعر والمسرحي المبدع صلاح الدين الحسيني. لكن اضطرار ابو الصادق لمغادرة القطاع حال بينه وبينهم. نجا شاعر فلسطين بأعجوبة من حملتهم التدميرية لأنهم اخذوا قرارا بتشويه كل ما يتعلق بالثورة والثقافة الوطنية. اخذوا قرارا باعدام الثقافة الوطنية والشخصية الوطنية، واعادة الشعب الى عصور الظلام والانغلاق وقتل الابداع وخنق الحريات والديمقراطية.
قاتل ابو الصادق حتى النفس الأخير دفاعا عن الثورة والشعب والقيادة. واجه المرض بصلابة المقاتل والقائد الشجاع، غير ان قلبه توقف عن العطاء. غادر صلاح الدين الحسيني الدنيا تاركا خلفه ميراثا غنيا من القصائد والأعمال المسرحية. لذا ابو الصادق مازال بيننا حيا يغني للثورة والشعب والقضية، ما زالت أشعاره المغناة تملأ فضاء الساحة الوطنية تلهم الأجيال الجديدة لتبقى تغني لفلسطين وحريتها واستقلالها.
وداعا ايها الشاعر الجميل.. وسلاما عليك وعلى روحك الطاهرة.. سيكرمك الشعراء والأدباء وعموم المثقفين والقيادة السياسية، وسيخلدون ذكراك يا ابا الصادق