تعيش القضية الفلسطينية بكل مكوناتها حالةً من التردي والتدهور ليس فقط بسبب الاحتلال ومخططاته الاستيطانية، وإجراءاته الإجرامية والتعسفية، وإنما بسبب العوامل التدميرية الذاتية داخل الساحة الفلسطينية التي لم تعد خافية على أحد لا في الداخل ولا في الشتات، بدليل أن الخطاب السياسي للفصائل قد توحَّد حول مصطلحات بتنا نرددها جميعاً دون أن نصل إلى مستوى الترجمة الحقيقية للمنظومة السياسية المفترضة، والمنطلقة من الفهم الواقعي لهذه المصطلحات المتمحورة حول الانقسام، والمصالحة، والوحدة الوطنية، والبرنامج السياسي الموحَّد، وإطلاق قيد المعتقلين، والحياة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني، والاستحقاقات القانونية والتشريعية وغيرها.

هل عدم الوصول إلى برنامج مشترك، وخطاب موحَّد، واتفاق مُشرِّف مردُّه عجز القيادات الفلسطينية، أو تغليب الأجندات الفصائلية على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، أو الضغوطات الإقليمية؟!

للوصول إلى النتائج المرجوَّة ينبغي فتح طريق المعالجة بطرح قضايا جوهرية تكون أرضية صلبة للتحليل الذي نحن بصدده:

أولا: ينبغي أن نكون أوفياء للشعارات التي نرفعها، وكلُّنا يؤمن بأنه يكافح من أجل حرية واستقلال شعبه الذي هو الأصل والجوهر، ولا يجوز في مثل هذه الحالة أن نمنع الانتخابات على اختلافها، ونحرم الشعب من قول كلمته الفصل، كما سبق له أن فعل في الانتخابات السابقة الرئاسية والتشريعية والبلدية، بمعنى أوضح لا يجوز أن يكون هناك عملية انفصام حزبية في تناول القضايا. فالشعب هو الضمير الذي لا يخون، ولا يجوز إسكاته و قمعه.

ثانياً: إن المشروع الصهيوني القائم على استيطان الأرض، وتهويد المقدسات، وممارسة سياسة الإجرام، والتعذيب، والقتل المتعمَّد، والاعتقالات الواسعة، والذي عبَّر عنها خاصة في العدوان الإجرامي على قطاع غزة مستخدماً كافة الأسلحة المحرَّمة دولياً، مخلِّفاً ألفا واربعماية شهيد، وخمسة آلاف جريح، وعشرين ألف بيت مُدمَّر، ومآسٍ لا تُنسى، والسؤال هو ألا يكفي ما حصل من هذه الجرائم أن يقنعنا بضرورة الانتصار لشعبنا ولقضيتنا، والتخلي عن الانقلاب ونتائجه، والانقسام وتداعياته، وان نعتذر لأهلنا في قطاع غزة الذين يعيشون مأساة القمع، وكمِّ الأفواه، وتدمير الحياة الديمقراطية التي تشمل حرية التعبير، وحرية العمل، وحرية التنقل، فهم اليوم يعيشون حصارين، حصاراً إسرائيلياً خارجياً، وحصاراً داخلياً من أبناء جلدتنا؟!

ثالثاً: انسداد أفق العملية السياسية والتفاوضية، والإصرار الإسرائيلي على الاستيطان وتجاهل الدولة الفلسطينية، والقدس، والحقوق المشروعة، ومطالبة الشعب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، والقفز كلياً عن حق عودة اللاجئين، ومنع عملية إعادة بناء ما تهدَّم في قطاع غزة، هذا الواقع المأساوي يفرض علينا شئنا أم أبينا أن نخضع لرغبة شعبنا بإنجاز الوحدة الوطنية، وأن نحترم وصايا الشهداء الذين حمَّلونا الأمانة بمواصلة المسيرة فخنَّا الأمانة، وأصبحنا قُساة القلوب، وأصررنا أن لا نسمع إلا صوتَنا، فغرقنا جميعاً في أتون الفرقة والفتنة والانقسام.

رابعاً: ثَبُتَ أنَّ العالم لا يحترمُ الضعفاء وإنما يحترمُ الأقوياء، فالشهيد الرمز ياسر عرفات في العام 1974 عندما كانت القضية في أوجها، وكان الشعب في قمة العطاء والعنفوان وقفت دول العالم قاطبة تصفِّق وتحيي. أما اليوم وبعد الانقلاب والانقسام، والإصرار غير المبرر على عرقلة المصالحة الوطنية، والحؤول دون انجاز الوحدة الوطنية فإننا بذلك نحكم على أنفسنا ونحن بكامل قوانا العقلية أن نكون ضعفاء عاجزين عن اتخاذ القرار.

ننتقل إلى الواقع الفلسطيني لندقق في المواقف ونستنتج من واقع حالنا كيف تكون المعالجة:

في الواقع السياسي هناك موقفان سياسيان معلنان لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولحركة حماس. فحركة حماس تميَّز موقفُها بالتالي:

أ- أعلنت حماس أنه تم الاتفاق مع كافة الفصائل في قطاع غزة على التهدئة من طرف واحد، ومارست القوة لمنع أي فصيل من إطلاق الصواريخ،واعتبر الدكتور الزهار الصواريخ عبثية.

ب- أرسلت حماس إشارات واضحة عن استعدادها لقبول هدنة طويلة مع الكيان الاسرائيلي.

ج- عملت حماس على فتح قنوات حوار مع دول غربية وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتمت تحت الطاولة وليس فوق الطاولة لأسباب داخلية.

د- وثيقة الدكتور أحمد يوسف أشارت إلى إمكانية القبول بدولة مؤقتة، وهذا بات معروفاً لدى الجميع.

ه- اعتبار م.ت.ف ليست الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وطرحت اختيار البديل عن المنظمة، وهي عملياً تمارس هذا الدور.

و- طرحت قيادة حركة حماس وعلى أعلى مستوى قيادي بأنها توافق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة في العام 1967 والقدس عاصمتها. وهذا يتناقض مع الموقف السابق الذي يقول بالتحرير من النهر إلى البحر، والواضح أنه تسويق لموقف سياسي جديد مقبول لدى المجتمع الدولي، ويسِّهل عملية الحوار لدى الولايات المتحدة وأوروبا وبالتالي اسرائيل.

ز- أكدت حركة حماس أنها ترفض المفاوضات التي يقودها الرئيس أبو مازن واتهمته بالتنازل والتفريط ظلماً وعدواناً رغم صلابة موقفه.

 ح- حركة حماس اختارت العنف في معالجة القضايا الداخلية الخلافية وحالت دون المصالحة، وأصبح ذلك نهجاً لديها شكَّل كابوساً على الساحة الوطنية الفلسطينية.

ط- قيادة حماس اعتمدت لغة التخوين في التعاطي مع قيادة م.ت.ف وحركة فتح، غير عابئة بالتعبئة التحريضية، والشحن التوتيري الأعمى الذي يتولَّد عن مثل هذه اللغة داخل المجتمع الفلسطيني، ودفع الأطراف السياسية نحو التناحر والتقاتل، وتجرُّع كأس الفتنة.

أما فصائل م.ت.ف ومعها حركة فتح فإنها بشكل عام تطرح التالي:

1- نحن مع التهدئة الشاملة في الضفة والقطاع، ولا يجوز تحليلها في قطاع غزة وتحريمها في الضفة الغربية.

2- رفض الهدنة الطويلة الأمد، والإصرار على التفاوض على كافة قضايا الحل النهائي وضرورة وجود مرجعية دولية، وسقف زمني محدد، ووقف الاستيطان في كافة الأراضي المحتلة بما فيها القدس.

3- النضال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران العام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

4- العمل السياسي علناً مع المجتمع الدولي لحمله على اعتماد مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية عبر مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وباقي المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

5- التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني بصفتها الكيان السياسي لشعبنا، والبيت الذي يجمعنا.

6- نرفض الدولة ذات الحدود المؤقتة رفضاً كاملاً لأنها تشكل مدخلاً لتمزيق الأرض والشعب إلى كانتونات متباعدة.

7- نؤمن بالمقاومة بكل أشكالها، ونختار ما يتناسب مع كل مرحلة من المراحل باعتبار المقاومة وسيلة وليس غاية أو هدفاً.

8- فصائل م.ت.ف رفضت العنف في معالجة القضايا الخلافية الداخلية وأصرَّت على الحوار الوطني البنَّاء من أجل الوصول إلى المصالحة.

9- قيادة المنظمة كانت حريصة على المواقف العقلانية، والمعالجة الموضوعية، وسياسة وضع النقاط على الحروف، وإبقاء باب الحوار مفتوحاً.

هذه هي خلاصة المواقف للطرفين، وتعليقنا على ما ورد هو التالي:

أ- التهدئة مطلوبة في الضفة والقطاع طالما هناك احتلال شامل وكامل للضفة وغزة، والتهدئة بنظرنا مطلب فلسطيني شامل شريطة أن تكون منتجة ولها أهداف سياسية، ولا يجوز اعتمادها فقط لأهداف أمنية تخدم مصالح حزبية.

ب- الموقف الرئاسي من موضوع المفاوضات لا لبس فيه، فالرئيس أبو مازن أوضح أنه لا مفاوضات مع استمرار الاستيطان، وانه لا بد من مرجعية دولية، وسقف زمني محدد. والرئيس رفض كافة الضغوطات الأميركية والأوروبية والعربية، وقال لا دولة فلسطينية من دون القدس الشرقيّة، وأضاف بأننا لن نقبل بوجود جندي إسرائيلي واحد على أرضنا. فالرئيس أبو مازن لم يرضخ، ولم يتنازل، وهو متمسك بالثوابت، وقد استطاع بموقفه هذا أن يضع إسرائيل في أزمة وفي عزلة مع دول العالم التي ساندت الجانب الفلسطيني، كما استطاع أبو مازن أن يكشف عجز وضعف واشنطن أمام الغطرسة الإسرائيلية.

ج- إن محاولات تدمير م.ت.ف وشطبها ومحاولة إيجاد بديل عنها لا يخدم سوى الكيان الإسرائيلي الذي يتمنى شطب المنظمة أو استبدالها حتى يتخلص كلياً من الكيان السياسي الفلسطيني، ولا يعود مسؤولاً أمام العالم عن تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية. فلماذا تضع حركة حماس نفسها في المربع الإسرائيلي ذاته؟!

د- إنّ ما ورد في وثيقة الدكتور احمد يوسف بأن حماس تقبل بدولة ذات حدود مؤقتة مؤشر خطير على استعداد حركة "حماس" لطرح نفسها كبديل عن المنظمة، وقبول ما لا تقبله م.ت.ف، علماً أن القبول بمثل هذا الخيار يشكل مخاطر جمة على مستقبل الوضع الفلسطيني، وعلى مستقبل القضية الفلسطينية، ويؤدي أيضاً إلى الإبقاء على الانقسام وعدم المصالحة.

ه- نحن نؤمن بمقاومة الاحتلال خاصة أن الشرعية الدولية أقرَّت حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وعلينا نحن أن نختار ما يناسبنا من الوسائل، والأساليب، والأشكال التي تخدم أهدافنا الوطنية، لأنّ المقاومة وسيلة وليست هدفاً، ولا يجوز التركيز على الوسيلة ونسيان الهدف، فالمقاومة المثمرة هي التي تحقق الاهداف، وليست مجرد شعارات نبتغي بها المزايدة السياسية، والذي من شأنه تشويه مضمون المقاومة، ومشكلة حركة "حماس" أنها تمنع المقاومة علناً في قطاع غزة، ولكنها تحرِّض عليها في الضفة الغربية لأهداف أمنية خاصة بها، وقد تم ضبط العديد من الخلايا التي كانت مكلَّفة حسب التحقيقات التي أُعلن عنها مع هذه الخلايا بمشروع أمني داخل الضفة لإرباك الاوضاع، وتنفيذ مشروع إنقلاب في الضفة على غرار ما حصل في قطاع غزة، وهذا ما يجعل السلطة الوطنية وأجهزتها تقوم بتنفيذ الإجراءات الأمنية المطلوبة ومنها الاعتقالات الأمنية لإحباط الخطط والمشاريع الفئوية والدخيلة  المدمِّرة التي لا تخدم سوى الاحتلال.

فالسلطة تقول إن الضفة محتلة بكاملها، وهذا ما أكده الرئيس أبو مازن: "القوات الإسرائيلية تهاجم، وتحتل، وتعتقل، واذا لم يحصل حل سأقول للاسرائيليين والأميركيين تفضَّلوا اكملوا احتلالكم، وأنا لا أتحمل هذا الواقع:" وبالتالي علينا أن نتفق كيف سنقاوم، وكيف سنفاوض، ولا يستطيع طرف بعينه أن يتبنى مقاومة دون ان يكون هناك إجماع فلسطيني على الأهداف.

و- ظاهرة الانقلاب والعنف الدموي التي شهدناها في قطاع غزة هي ظاهرة مستوردة من الخارج، وليست من أدبيات ولا مبادئ الشعب الفلسطيني، ولم يحصل هذا إلا عندما نجحت "حماس" في الانتخابات التشريعية التي رفضتها في العام 1996 ثم وافقت عليها في العام 2006 في إطار تصوُّر سياسي خاص بها اتضحت تضاريسه بعد وصولها إلى المجلس التشريعي ورئاسة الحكومة، علماً أن الرئيس أبو مازن شخصياً وحرصاً منه على الإجماع الوطني هو الذي أصرَّ على مشاركة "حماس" في الانتخابات رغم الضغوطات الأميركية وعدم موافقتها على مشاركة "حماس".

منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي حركة "فتح" لم تنجر إلى العنف ولم تقابل الطلقة بالطلقة، ولم تعطِ الأوامر لكوادرها باستخدام العنف ضد من يعتقلهم أو يطلق النار عليهم في قطاع غزة مما كلفها سبعماية شهيد، ومئات الجرحى والمعاقين، ومئات المعتقلين على خلفية انتمائهم لحركة"فتح" أو لفصيل من فصائل م.ت.ف، وللأسف فإن هذا الموقف العقلاني والوطني لم يزد حركة  "حماس" إلا تمادياً وإمعاناً في تأجيج حالة الانقسام واستخدام المزيد من العنف.

ز- إنَّ استهداف حركة "حماس" المتعمّد لشخص الرئيس أبو مازن ووضعه في موضع الخيانة، أو التفريط والتنازل، أو الرضوخ للضغط الأميركي، أو للمحتل الإسرائيلي، ينمُّ عن نيات سوداء هدفها الاساسي التخلُّص من الرئيس أبو مازن بأي طريقة من الطرق للوصول إلى الرئاسة، حتى تكون السلطات الثلاث بيدها لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالمشروع الوطني، وإنما بمشاريع إقليمية. وكل ما ادَّعته حركة "حماس" ثبُت بطلانُه، فالحملة على الرئيس شخصياً عند تأجيل طرح تقرير غولد ستن وإتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل كانت ظالمة، وجائرة، وكاذبة، كما اتضح بالملموس بأن الرئيس أبو مازن لا علاقة له بقرار التأجيل، وإنما الدول العربية والإسلامية والأفريقية هي التي أخذت قراراً واضحاً بذلك.

كما أن وثائق ويكيليكس التي نُشِرت برّأت الرئيس أبو مازن من التهمة التي سوَّقتها حركة "حماس" بأن الرئيس تواطأ مع الإسرائيليين في حرب غزة، علماً أنَّ الرئيس أبو مازن كان الأحرص على أهل غزة، وعلى وقف العدوان وسعى من أجل توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة العدوان ورفضت حماس ذلك.

أما اتهام الرئيس أبو مازن بأنه يخضع للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، وتسويق مثل هذه الإشاعات لتشويه المواقف الوطنية للمنظمة، والتغطية على مشروع الانقلاب، واستبدال المنظمة بوليد سياسي جديد لا يمتلك القدرة على النمو(خداج)لم يصل إلى النتيجة المرجوَّة، فالرئيس ذهب الى دمشق وحضر القمة العربية رافضاً الضغوطات الاميركية عليه بأن لا يذهب إلى دمشق. والرئيس أبو مازن أيضاً رفض الضغوطات الاميركية وأرسل الأخ عزام الأحمد للتوقيع على ورقة المصالحة الفلسطينية في مصر، هذه الوثيقة التي تم الاتفاق عليها في الحوار الداخلي ترفض "حماس" حتى الآن التوقيع عليها، وهذا طبعاً ما يثلج صدر الكيان الإسرائيلي وواشنطن اللذين يريان في عدم المصالحة، واستمرار الانقسام مكسباً إسرائيلياً جوهرياً يمزِّق الصف الوطني، ويشلُّ قدراته السياسية، ويدمِّر النسيج الداخلي للمجتمع الفلسطيني، ويكرس العنف الداخلي، ويعطِّل الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويغيِّب مشروع المقاومة كما هو حاصل،كما يضعف المفاوض الفلسطيني الواقع تحت كابوس الانقسام. واذا ما انتقلنا إلى موضوع المفاوضات فهل هناك أوضح، وأجرأ من الموقف الذي اعتمده الرئيس أبو مازن سواء في المفاوضات المباشرة ام غير المباشرة، أم المتوازية؟! فقد رفض الضغوطات الاميركية بقبول التفاوض دون وقف الاستيطان، وما زال الرئيس على موقفه حتى الان. فهل تقتنع حركة "حماس" بضرورة احترام عقول الآخرين، والكف عن سياسة التخوين والتفريط، وأن لا تواصل بناء قصورٍ إعلامية من الرمال والأوهام لا تخدع بالتالي إلاَّ بانيها؟! وهل تدرك حركة "حماس" بأن الرئيس أبو مازن هو واحد من المدرسة التي أنشأها الرمز ياسر عرفات التي تتمسك بالحفاظ على الثوابت الوطنية؟! على حركة "حماس" أن تجري عملية مراجعة نقدية جريئة لمواقفها، لأن الجماهير لا تُخدَع طوال الوقت، وهي لا ترحم من يخطف بريق الأمل من مستقبل أبنائها، ومن كان بيته من زجاج عليه أن لا يرشق بيوت الناس.المطلوب من حركة حماس أن تعي مضمون تصريح نتنياهو بأن الرئيس أبو مازن يشكِّل خطراً على إسرائيل!!!

ح- إصرار حركة "حماس" على الانقسام غير مُبرَّر، والإصرار على تعطيل المصالحة عمداً بعد أن تجاوبت حركة "فتح" مع ما طرحته "حماس" في دمشق هو إصرار على استمرار الانقسام. ونحن نسأل حركة "حماس" أن تدقق جيداً وبجرأة في مواقفها، وبالتالي ماذا جنى الشعب الفلسطيني من الانقلاب والانقسام؟!

أولاً: الحصار ما زال قائماً على قطاع غزة، وهناك إصرار على عدم ربط الضفة بالقطاع، وهذا ما يحقق رغبة إسرائيلية جامحة تتعارض مع المبدأ الذي طرحه الرمز ياسر عرفات عند بدء مفاوضات أوسلو(غزة-أريحا أولاً )، أي ربط القطاع بالضفة.

ثانياً: الوضع المعيشي يتجه نحو الأسوأ، والمعاناة اليومية تزداد، وهناك طبقة محدودة المسيطرة هي مستفيدة، وطبقة أخرى تمثِّل الغالبية مسحوقة بفعل الحصار، والغلاء، والبطالة.

ثالثاً: التهدئة من طرف واحد ما زالت متواصلة، والاعتداءات الإسرائيلية على أهل غزة تجري يومياً. والتهديدات الاسرائيلية بحرب جديدة على القطاع ما زالت قائمة.

رابعاً: تعطيل الاستحقاقات التشريعية المُلزمة، وتغييب الحياة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني، واعتماد سياسة خنق الحريات، وكمِّ الأفواه، وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في الانتخابات.

خامساً: حتى الآن لم يتم إعادة بناء ما تهدَّم في قطاع غزة جراء عدوان 2008-2009، والناس ما زالوا يعيشون في الخيام، وفي ظروف مأساوية، علماً أن المؤتمر الدولي الذي عُقد في شرم الشيخ اعتمد أربعة مليارات ونصف المليار دولار لإعادة الاعمار، لكنَّ الإصرار على عدم المصالحة، وعلى استمرار الانقسام عطَّل عملية إعادة الإعمار.

سادساً: هناك محاولة جادة من واشنطن والكيان الاسرائيلي بتدمير المشروع الوطني الفلسطيني بكامله بدأ ذلك باغتيال الشهيد الرمز ياسر عرفات، وتواصل بالإنقلاب في قطاع غزة، وما زال مستمراً بواسطة الانقسام، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به حركة "فتح" ولا فصائل م.ت.ف، ونحن كما قال الرئيس أبو مازن ما زلنا نؤمن بأن حركة "حماس" جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني، ونأمل أن تأخذ حركة "حماس"موقعها الطبيعي في إطار م.ت.ف. والنظرية السياسية تقول: عندما تجد نفسك وعدوك في مربَّع واحد عليك أن تعيد حساباتك.

المنطق يقول إنَّ المصالحة استحقاق فلسطيني وطني مُلزم ويجب أن تكون على نار حامية احتراماً للقدس، وللشهداء، ولكرامة الشعب الفلسطيني. فالمصالحة هي الطريق إلى إنهاء الانقسام، وإنهاء الإنقسام يعيد اللحمة للأرض والشعب والقضية، واستعادة الوحدة الوطنية تؤدي إلى الاتفاق على البرنامج السياسي ، والإتفاق  على البرنامج السياسي يحمي المشروع الوطني الفلسطيني، والبرنامج السياسي يكرِّس تنفيذ الاستحقاقات التشريعية، وإشاعة المناخ الديمقراطي والحوار البنَّاء، وهذا بدوره يبلور مفهوم المقاومة المطلوبة، والمفاوضات المثمرة، فنقاوم معاً ونفاوض معاً، وعندها لن تكون هناك حاجة للاعتقالات الامنية على خلفية مشاريع فئوية،  وتزول المخاوف والهواجس، وبالتالي إذا ما تحققت المصالحة سيفتح الكيان الإسرائيلي بيت عزاء أسود بسبب إنهيار حساباته ومخططاته القائمة على مبدأ استمرار الانقسام الفلسطيني. فهل سيتحقق ذلك اليوم الأبيض بانهزام الانقسام وانتصار المصالحة ؟؟!!