محافظات غزة تنوء تحت ثقل معاناة مركبة. أشكال وأساليب القهر للمواطن الفلسطيني متعددة. أينما أدار وجهه يجد الارهاب والعبث بمصيره منتصبا أمامه. مليون وستماية ألف، وفق آخر إحصاء لتعداد السكان، يقعون في دائرة اللامستقبل، المجهول، وفقدان الثقة والأمل بسبب تسييد قانون الغاب بعد تربع قادة الانقلاب الحمساوي على مقاليد الامور هناك، باستثناء فئة ضالة محدودة العدد مرتبطة بخيار حركة الاخوان المسلمين فرع فلسطين - قادة الامارة الطالبانية في قطاع غزة.
أول أشكال الظلم الواقع على رأس الشعب في محافظات الجنوب الفلسطيني، الحصار الاسرائيلي. الذي شاء الاسرائيليون من خلاله خنق وتجويع المواطن الفلسطيني، تحت ذريعة وجود قوة غير شرعية في قطاع غزة، هي حركة حماس. ولمن لا يعلم، او لا يريد ان يعلم، فإن دولة الابرتهايد العنصرية الاسرائيلية ساهمت بأساليب متعددة كي تسيطر تلك الحركة الانقلابية على القطاع. لتحقق من وراء لك جملة من الاهداف، أهمها تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وضرب مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وصولا لإسقاط خيار التسوية السياسية، وفي نفس الوقت تأبيد خيار الاستيطان الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وثاني أشكال الظلم الواقع على رؤوس المواطنين الغزيين، الانقلاب الحمساوي الاسود، الذي مزق وحدة الأرض والشعب والقضية والاهداف الوطنية. ليس هذا فحسب، بل خطف المواطنين، وعاث فسادا في الأرض وبمصير الشعب. مارست ميليشيات الانقلاب الحمساوي أبشع أشكال الارهاب وخرق القانون ضد الوطنيين الفلسطينيين من مختلف فصائل العمل الوطني. وسنت قوانين خاصة بها فرضتها على الشعب. فلم يعد المواطن آمنا في بيته او حياته أو ذهابه أو إيابه. بات كل شيء مباحا لخنق حريات الناس، واختطافهم، والتعدي عليهم في بيوتهم، واعتقال أبنائهم دون وجه حق.
حالة الفوضى الامنية الخطر الثالث، وهي نتاج ومن إفرازات الانقلاب الأسود. من المظاهر الجديدة للفوضى العبثية، تمثلت أول أمس باختطاف اللواء سليم البرديني، نائب أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية. وهو شخصية وطنية معروفة، فضلا عن أنه كان قائدا للشرطة الفلسطينية قبل الانقلاب الحمساوي. وبغض النظر عمن اختطفه، فإن قادة ميليشيات الانقلاب أمنت للخاطفين التغطية على جريمتهم. وما كان للمجموعة الخاطفة تنفيذ جريمتها، لولا شعورها بالحماية من خاطفي القطاع عن الشرعية الوطنية.
قضية ابو خالد البرديني، ليست قضية فردية، ولا هي نزق مجموعة عابثة، بل هي سياسة ومنهج حياة بات يسيطر على المسلكيات الاجرامية للميليشيات الحمساوية وأنصارهم بغض النظر عن الثوب الديني، الذي يلبسونه، الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية ومنظمات حقوق الانسان، وخاصة أولئك الذين طبلوا وزمروا للانقلاب منذ اللحظة الأولى، مدعين زورا وبهتانا، ان الانقلاب الحمساوي « أنهى فوضى السلاح « و» أمن حياة آمنة للمواطنين ! « بالتصدي لفوضى السلاح واختطاف القانون والنظام، والعمل على تشكيل لوبي وطني ديمقراطي للجم الانقلاب، وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية.
طبعا لم نتعرض لحملات الاختطاف والقتل الجبانة لمناضلي حركة فتح ومنتسبي الأجهزة الأمنية على مدار الأيام الخوالي منذ الانقلاب وحتى اللحظة المعاشة، والتي لن تنتهي ( عمليات الخطف ) إلا بإنتهاء الانقلاب الحمساوي، وإعادة الاعتبار للشرعية الوطنية والنظام السياسي الديمقراطي، والقانون المستند إلى الدستور / النظام الأساسي, لأنها تحصيل حاصل.
فضلا عما تقدم، قامت ميليشيات الانقلاب في ليلة رأس السنة الميلادية بالتعدي على المواطنين في بيوتهم، والعبث بمأكولاتهم، وتكسير الأواني، واعتقال أبنائهم دون مبرر أخلاقي او سياسي او ديني. مخترقين حرمة البيوت، التي كفلها القانون والدين الاسلامي الحنيف. ولكن الدين منهم براء. كما اقتحموا المطاعم في موجات متكررة طيلة ليلة رأس السنة، وهددوا المواطنين وخاصة النساء إذا ما دخن الارجيلة. وقبل الثانية عشرة طلبوا من المواطنين مغادرة المطاعم.
هذه وغيرها من الجرائم الحمساوية نفذتها ميليشياتها ومن يحتمون بعباءتها الانقلابية، مما يستوجب تسريع تشكيل اللوبي الوطني الديمقراطي لحماية ليس فقط الشخصيات الاعتبارية، وإنما لحماية المواطن الفلسطيني البسيط من كل أشكال القهر والتخريب القيمي، الذي تعممه قيادة الانقلاب وتغذيه في النسيج الوطني والاجتماعي، وكما أشير آنفا لإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية وصيانة السلم الاهلي من خلال عودة الشرعية الظافرة إلى محافظات الجنوب الفلسطيني، لتعزيز عوامل الصمود والقوة في مواجهة المخططات الاسرائيلية المعادية لخيار السلام.