هاكم هذه المعادلة الراهنة إسرائيلياً: لليمين الإسرائيلي الأقصى أزمة مع أميركا، ولليسار (أو وسط اليسار) الإسرائيلي أزمة في إسرائيل. المعنى؟
ترى أميركا، كما يبدو، أن حل المعادلة ليس في تطويع أقصى اليمين، لكن في تقوية وسط - يسار متحالفاً مع وسط - يمين، أي قيامة "حزب العمل" من أزمته، وتحالفه مع "حزب كاديما". قيامة "العمل" لن تكون دون تغيير "الرأس" أي تبديل ايهود باراك بآخر هو، على ما يبدو، عميرام متسناع.. وهو ما سيحصل بعد قبول باراك أن ينافسه متسناع على رئاسة الحزب.. من الآن وحتى آذار المقبل.
الإدارة الأميركية "غاضبة" على إيهود باراك، أو الجنرال "الساعاتي" في هواية فك وتركيب الساعات.. لماذا؟ لقد فشل في تقديم، أو تأخير الساعة على معصم رئيس الحكومة اليمنية بنيامين نتنياهو. الآن، أماطت واشنطن اللثام حول صفقة الرزمة الأمنية - السياسية، التي توصل إليها باراك مع الست هيلاري. لقد وعد باراك بتقديم الساعة على معصم نتنياهو.. وفشل. وعد هيلاري في اجتماع السبع ساعات أن سيدفع رئيس حكومته إلى قبول تفاهمات بموجبها تجمد إسرائيل الاستيطان ثلاثة شهور، في مقابل صفقة سخية أمنية سياسية.
أوباما ذكي، والذكي لا يحب أن يخدعه متذاكي مثل باراك الذي "سحر" أوباما بتحليلاته، وكذا نائب الرئيس جو بايدن - وحتى ناظرة الخارجية الست هيلاري. هيلاري، زوجة بيل، ستعضّ بنان الندم لأن بيل كان يثق بإيهود باراك في قمة "كامب ديفيد" 2000، ربما لأن خليفة صديقه، بل حبيب قلبه، اسحاق رابين. ومن ثم، حمّل الرئيس كلينتون الرئيس ياسر عرفات مغبّة الفشل، وانتهزها هذا "الساعاتي" للقول: "لا يوجد شريك" فلسطيني، وقد "انكشف الوجه الحقيقي لعرفات".. منذ ذلك الادعاء - الكذبة، تراجع معسكر اليسار في إسرائيل، إلى حد أن "حزب العمل" لا يأخذ في الاستطلاعات أكثر من 6-8 مقاعد مقابل 11 مقعداً حالياً.
أزمة "الساعاتي" مع الإدارة الأميركية ظهرت بوادرها قبل صفقة الرزمة، عندما استقبلت هيلاري وزير الحربية باراك ربع ساعة على هامش مؤتمر "سبان".. لكن، اجتمعت، رسمياً، مع زعيمة المعارضة تسيفي ليفني ساعة في وزارة الخارجية.
تعرفون؟ "لا يغيّر الله ما بقوم ما لم يغيّروا ما في أنفسهم".. وفي الحالة الماثلة ما لم يغيّر الإسرائيليون ائتلافهم الحاكم، بحيث يتحالف "كاديما" الذي تعطيه آخر الاستطلاعات 32 - 33 مقعداً (مقابل 28 - 29 لليكود) مع "حزب العمل"، الذي تعطيه الاستطلاعات ذاتها 10 مقاعد.. إذا غيّر رأسه، وانتخب متسناع عوض باراك.
في آذار أو نيسان قد يتم الاستبدال، ويفقد نتنياهو "عكازته" العمالية، فتغدو حكومته تعرج بشدة على ساق أقصى اليمين.. ومن ثم، يضطر الليكود إما إلى حكومة أشد يمينية، وإما إلى الذهاب للانتخابات، بعد سنتين على أعتى حكومة يمينية في إسرائيل.
في حساب بسيط، لا يكفي تحالف ائتلافي بين "العمل" و"كاديما" دون كسر أحد الركنين الأشد يمينية في حكومته: "إسرائيل بيتنا" أو "شاس". بماذا تفكر أميركا؟ لعلّ أرييه درعي، الأقرب إلى المساومة السياسية مع الفلسطينيين والاعتدال، والساعي إلى تحدي رئيس الحزب إيلي يشاي.. ومن ثم انشقاق "شاس" وصعود درعي "المظلوم" من حزبه، رغم أنه اقترف جناية الفساد لصالح الحزب، وحوكم.. ونفذ عقوبته كاملة. الآن، ساعة الانتقام؟
على هذا، يمكن بناء ائتلاف جديد حاكم في إسرائيل من "سيبة" ثلاثية جديدة بدل "سيبة" "الليكود"، "إسرائيل بيتنا"، و"شاس".. ومن الواضح أن الأحزاب العربية ستكون، مرة أخرى، بيضة القبّان كما كانت إبان حكومة رابين، أو حتى حكومة ايهود باراك، الذي صوّت له الصوت الفلسطيني بكثافة.. وربما من أجل شمعون بيريس، آخر الأحياء الثلاثة الحاصلين على "نوبل" للسلام، مكافأة على اتفاقية أوسلو.
يُقال، إنه إضافة للمعارضة اليسارية لباراك في حزبه، فهناك "معارضة" متزايدة من بيريس على نتيناهو الذي خيّب رهان بيريس، كما خيّب إيهود باراك رهان الإدارة الأميركية.
من هنا، وحتى آذار المقبل، أو حتى حزيران المقبل (سنتان على حكم نتنياهو) قد تقوم واشنطن بإعداد المسرح الحزبي الإسرائيلي لنوع من "الانقلاب" الديمقراطي، عن طريق إبداء خلاف علاني مع الثنائي نتنياهو - باراك.
يقولون، أخيرا، إن نتنياهو يُقلّد شامير في عناده، وهذا الأخير كان لديه أربعة وزراء "أطواق" من أقصى اليمين.. أما نتنياهو فهو "الطوق" الذي يطوّق نفسه بطوقي "إسرائيل بيتنا" و"شاس".