كم سنة مرت على معركة، الكرامة أربعة وأربعون عاما ،ولكن فكرتها الملهمة ، وقرارها الشجاع ، وتجربتها الثرية ، وتداعياتها على مستوى الهيكلالتنظيمي لحركة فتح تحديدا ما زالت مستمرة .

جاءت معركة الكرامة مخالفة لكل قوانين حرب الشعب التيكانت سائدة آنذاك وحتى يومنا هذا ، كانت قرارا استثنائيا ، اتخذه قادة كانوا قادرينعلى قراءة اللحظة السياسية بكل عمق وإحاطة .

معركة الكرامة في التوقيت ، جاءت في لحظة حاسمة ، بعدتسعة شهور تقريبا من وقوع أكبر هزائم العصر ، وهي هزيمة حزيران عام 1967 ، التي احتلتفيها إسرائيل أراضي واسعة جدا من ثلاث دول رئيسية في المنطقة العربية وهي مصر وسورياوالأردن ، وكانت مساحة الأرض المحتلة أضعاف مساحة إسرائيل ، وكان أخطر جزء في ذلك الاحتلالهو الذي وقع على القدس وبقية الأراضي الفلسطينية بالضفة والقطاع ، أي إنهاء كل أثرواقعي لقرار التقسيم رقم 181 ، الذي يقضي بقيام دولتين واحدة يهودية وأخرى فلسطينية، مع وضع دولي لمدينة القدس ، وهو القرار الذي نفذته إسرائيل على طريقتها ، من خلالتقسيم بدل أن يكون بينها وبين الفلسطينيين ، فإنه تحول إلى تقسيم بينها وبين الدولالعربية المجاورة وهي الأردن وسوريا ومصر !!! كما أن تلك الهزيمة فرضت معطيات جيوسياسية، وأمنية ، وقانونية ، ما زالت قائمة حتى اليوم عندما وقعت هزيمة حزيران عام 1967 ،فإن الثورة الفلسطينية المعاصرة ، التي أطلقتها فتح في مطلع عام 1956 أصبحت في مأزقحقيقي , لأن الجيوش العربية التي تعتمد فكرة الثورة على زجها في الصراع بعمق أكبر وثقل أكبر , تحولت إلى جيوش مهزومة , و خاصة أن هزيمة عام 1967 كان يوجد فيها غرائبياتتعجز الوصف و التبرير , و كانت ردة فعل الكثيرين من القيادات الفلسطينية خارج فتح, أنه إذا كانت الجيوش قد انهزمت , و الأنظمة قد تورطت في معادلة الحفاظ على الذات, فلا معنى لوجود مجموعات بسيطة من الفدائيين , فما الذي سيستطيعون أن يفعلوه ؟؟؟

كلنا نعرف أسماء هؤلاء القادة ، الذين هم اليوم الأكثرتبجحا والأكثر مزايدة ورخصا وخداعا لأنفسهم وشعبهم .

معركة الكرامة، جعلت عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيوالعربي والإسلامي يتدفقون إلى قواعدنا المقاتلة ، ولم يكن الوقت قد اتسع لإعداد هؤلاءالآلاف المؤلفة ايديولوجياً ، وهكذا نشأت لدينا الحالة التي وصفها أحد قادة فتح البارزينوهو الشهيد كمال عدوان بدقة متناهية ، حين تحدث عن “ عمومية التنظيم وخصوصية الفكرة“ وهذا حملنا بمسؤوليات عالية لكي نعيد صياغة هياكلنا التنظيمية وتطويرها لكي تتسعللجميع ولا تنكفئ حول نفسها مثلما هو حاصل الآن بحيث ان الآلاف من كوادرنا بتجاربهمالثرية يشعرون أنهم خارج دائرة الفعل والعطاء لمجرد أنهم أصبحوا بفعل التقاعد ، أوبفعل التطورات السياسية الشاذة ، مثل الانقسام ، خارج الوظيفة ، وبالتالي خارج الإطارالتنظيمي !!!

معركة الكرامة :

لقد منحتنا أيضا المزيد من الثقة بالذات ، والمزيد منالمصداقية من قبل شعبنا وأمتنا ، وهذا تأكيد دائم بأنه دون القدرة على انتاج الأفكارالملهمة التي نكسر من خلالها جدران اللحظة الراهنة ، فإن أعظم الحركات الثورية ، وأعظمالتجارب ، وأعظم الأحزاب ، يمكن أن تتفسخ وتتآكل وتموت !!! قد تكون هذه الحقيقة صادمة، ولكنها الحقيقة المقدسة أيضا .

انظروا إلى حالة الهبوط الوطني والسياسي والتنظيمي التينعاني منها الآن في جميع الفصائل بلا استثناء ، وكيف أن الهبوط أدى إلى إدارة علاقاتناالوطنية بنماذج مثيرة للسخرية ، لا نتفق على شيء ، لا ننجز أي شيء ، نعيد تكرار الكلامالذي سبق وأن رفضناه ، نبرر واقعنا بمبررات لا يصدقها أحد ، نرسم لأنفسنا صورة مشوهةبينما نتفاخر بأننا نصنع المعجزات !!!

فقدنا الثوابت والمسلمات ، وفقدنا الأولويات ، ما هيالأولوية الأولى في قطاع غزة والضفة ، هل هي القدس ، هل هي إحداث اختراق سياسي في واقعالقضية الفلسطينية ، هل انتاج أفكار جديدة لابتداع وسائل كفاح تلائم الواقع العربيوالدولي ؟؟؟ أم هي أولوية الكهرباء ، والسولار والبنزين ، وتجارة الأنفاق والمديح العاليلمصر في الصباح وشتمها في المساء ، مع أن الأطفال الصغار في العالم يعرفون الواقع المصري، ومخاضات المرحلة الانتقالية ؟؟؟

نمدح ونهجو مثل الشعراء الذين كانوا يتعيشون على تلكالمهنة الرخيصة ، نتعلق بأهداب الأوهام ، وحين نفشل – وهذا أمر طبيعي – فإننا نعلقالفشل الذريع على مشاجب الآخرين !!!

نتخذ من بعضنا رهائن لنحقق فكرة وهمية غير واقعية ،وغير سياسية ، وغير ممكنة ، فتختنق الرهينة التي هي نحن ، ولا يتحقق من وراء ذلك أيشيء !!!

في ذكرى تلك الفكرة الملهمة ، فكرة معركة الكرامة التيخالف فيها الفلسطينيون كل تجارب حرب الشعب ، وكل ما قاله الاستراتيجيون الكبار عن حربالشعب ، لأن خصوصيتهم الفلسطينية هدتهم إلى ذلك الإلهام ، فامتلكوا قضيتهم في أيديهم!!!

في ذكرى تلك المعركة الخالدة ، التي قامت على فكرة ملهمة، يجب أن نقرأ واقعنا الآن بشجاعة ، دون تسليم أنفسنا إلى انحدارات الحد الأدنى دونأي نوع من المقاومة ، إلى أين يقودنا هذا التفسخ ؟؟؟ وإلى أين يوصلنا هذا الهروب الكبير؟؟؟

هذه تحية لذكرى معركة الكرامة ، ولذكرى قادتها الكباروشهدائها الأبرار ، داعين الله أن يلهمنا شجاعة الصدق ، وإنتاج الأفكار الملهمة حتىنتمكن من مغادرة القاع والصعود من السفح إلى قمة الحضور .