غداً يعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، يقف العالم مترقبًا قراراته وتأثيرها، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. في ولايته الأولى، نجح ترامب في التوسط لاتفاقيات أبراهام، التي شكلت خطوة جريئة نحو تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا الإنجاز لم يحقق السلام الكامل، ولا الأمن والاستقرار والازدهار الذي تحدث عنه ويطمح له، لأنه ببساطة تجاهل عامل مهم جداً في حل النزاعات، متمثل بالعدالة والحقوق السياسية وقام بفرض الحقائق على الأرض ضمن مصالح براغماتية اقتصادية أمنية بعيدة عن الإطار السياسي الشامل، دون التشاور مع الجانب الفلسطيني.

غادرنا حديثاً الرئيس جيمي كارتر، تاركًا إرثًا خالدًا في النضال من أجل العدالة وحقوق الإنسان، قدم في الشرق الأوسط اتفاقية استراتيجية وقدم للعالم نموذجًا مميزًا في قيادة أخلاقية جريئة. كارتر لم يخشَ مواجهة الحقائق الصعبة، وأطلق على الواقع في فلسطين ما يستحقه من وصف: "نظام فصل عنصري". لم يكن كارتر يخشى أن يقول كلمة "فلسطين"، مؤكدًا على حق شعبها في تقرير المصير، واعتبر أن تحقيق السلام لا يمكن أن يكون دون عدالة شاملة.

بعد مغادرته منصبه، لم يتوقف كارتر عن الدفاع عن القيم التي آمن بها. زار فلسطين عدة مرات، وعمل من خلال مركز كارتر ومجموعة الحكماء على تعزيز حقوق الإنسان وكشف الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون. كان كارتر مثالاً لقائد استمر في خدمة القضايا الإنسانية حتى بعد مغادرة السلطة، وشكل مصدر إلهام للملايين حول العالم.

رسالتي للرئيس دونالد ترامب، لديك فرصة استثنائية لتتبع إرث كارتر، وتذهب أبعد مما حققته اتفاقيات أبراهام. السلام الحقيقي لا يُبنى على تجاهل حقوق شعب بأكمله، بل على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين كشركاء متساوين في المستقبل. لقد أثبتت من قبل قدرتك على التفاوض وتحقيق الصفقات الكبرى، والآن تنتظرك فرصة لتترك بصمة أكبر من أي وقت مضى.

البعض يختصر الحديث عن ترامب بأنه شخصية صعب التنبؤ بها، أعتقد جازمة وبعد التجربة التي عشناها في ظل إدارة ترامب السابقة أن السيناريوهات واضحة من حيث اهتمامه بإيقاف الحروب، وعقد الصفقات. التفاصيل قد تختلف ولكنه يسعى ولديه المقدرة أن يقود التغيير نحو استقرار المنطقة.  

إن المنطقة بأكملها، بما فيها الشعب الفلسطيني، ينتظرون قائدًا قادرًا على تحقيق العدالة قبل السلام. اتفاقيات أبراهام السابقة قد تحقق مصالح مشتركة ثنائية بين الدول الموقعة، إلا أن العبرة المستفادة منها هي أن السلام الذي يعمل عليه ترامب لن يتحقق دون ضمان حقوق ومصالح كل الأطراف للصراع ومنهم الفلسطينيون، رسم الحدود وتقرير المصير المفتاح لتحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة. نستطيع أن نتخيل إرث ترامب كقائد لم يصنع فقط اتفاقيات اقتصادية، بل أعاد الأمل لملايين البشر، وحقق العدالة التي طال انتظارها.

من خلال العمل على السلام العادل، سيحظى ترامب بلقب صانع الأمل الذي يستحق لقب نوبل للسلام. لصناعة السلام والأمن في المنطقة، لا بد من الأخذ بالاعتبار أن الشعب الفلسطيني يعاني منذ أكثر من ٧ عقود من احتلال عسكري طويل الأمد تحت نظام أبارتهايد، الاستيطان والاعتقالات والإعدامات الميدانية، ويجب أن يتمتع بحقوق سياسية وليس فقط دينية واقتصادية. يستطيع ترامب أن يكون هذا القائد الذي لم يخشَ مواجهة الصراعات بقلب مفتوح وعقل واعٍ. الشخص الذي سينهي عقودًا من الظلم والمعاناة وفتح صفحة جديدة الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط.

كما قال جيمي كارتر: "السلام ليس غياب الصراع، بل هو حضور العدالة". السيد ترامب، أمامك فرصة لصناعة إرث خالد يُذكره التاريخ، لا بالاتفاقيات المؤقتة والمصالح التجارية وحدها، بل بالعدالة التي يبنى عليها سلام دائم.
الرئيس ترامب، هذه لحظتك. الإرث الحقيقي لا يكمن فقط في توقيع اتفاقيات، بل في صنع السلام مع العدالة.