ما بين الشعوبية التي نغرق فيها، وما بين إذا جاء نصر الله والفتح واقع يحاصرني لا أجيد قراته. لعلي استذكر كلمات من هنا وهناك تدلني على مواجهة المستحيل في زمن العالم الافتراضي تعرت فيه الحقيقة واكتسى فيه الخيال ثوبًا زائفًا. هنا أذكر تلك الكلمات التي قالها المجيد الطبيب د. سعد جابر وزير الصحة الأردني، صاحب معركة التحدي لإنقاذ الأردن من الجائحة التي أصيبت بها البشرية "كوفيد 19"، المعروف باسم وباء "كورونا"، والذي دفع لعزل الملايين، لكنهم تجمعوا على القلاية والشاي والقهوة.
كما وتحضرني كلمة للسيد خالد مشعل أبو الوليد من قطر في الذكرى السنوية الاؤلى لمعركة السابع من أكتوبر حين قال: بأن خسائر غزة في الحرب تكتيكية، وخسائر العدو استراتيجية. وإذا بأئمة المساجد في اليوم الأول لإطلاق النار بدؤوا بتلاوة "إذا جاء نصر الله والفتح" بعد تلاوة الفاتحة، باعتبار أن هذا خطاب النصر.
هذا ما يجعل التساؤل الافتراضي، كيف تفهم الشعوب الواقع، والأهم الخطاب الذي ينبغي أن تصل فيه الرسالة إلى هذا المجتمع. أمام جائحة وتعليمات طبية من أعلى المستويات، تجد الأمور تنفلت من عقالها أمام تجمع عائلي أو صداقة يتم فيها تناول ما لذ وطاب لهم، والباقي على الله، هكذا تترك الأمور.
غزه في الحرب التي شنت علبها تقدر خسائرها المادية ثلاث وثمانين مليار دولار، واقترب عداد الشهداء والجرحى من مئتي ألف مواطن، وما تسببت به هذه من إعاقات وجروح، وفقد ويتم. ووفق الخطاب الذي قاله السيد مشعل إن خسائرنا تكتيكية، إذا كان كل الذي حدث ويشاهد بأنه خسائر تكتيكية ما هي الخسائر غير التكتيكية في نظر قيادة حماس؟ إذا كان ما حدث نصرًا، وفي اليوم الأول لوقف إطلاق النار سمعنا أن هناك توجه أو اتفاق أميركي إسرائيلي على ترحيل غزيين بدون ذكر الأعداد لأغراض إنسانية وتحت مظلة الإعمار سيتم تهجيرهم مؤقتًا والمؤقت في العرف الإسرائيلي مستدام، إلى أندونيسيا والله أعلم إلى أي الأماكن أيضًا، وتلك كانت أحد أهداف الحرب الرئيسية التي شنتها إسرائيل. هل من تفسير لهذا النصر المبين؟ وإذا لم تثنِ على ذلك القول فأنت بين أن تكون كافرًا أو خائنًا.
هذا بعض من واقع يمنحك صورة كيف أننا نفكر وكيف ندرك ونحلل البيانات والمعطيات. ما زال نمط التفكير العربي، والخطاب الشعبوي، والخطاب الديني يأخذك بعيدًا عن الواقع. العاطفة والحنين، والفزعة والشجاعة والنخوة، لا أحد يستطيع أن ينزع هذه الصفات من المجتمع العربي لأنها بمثابة الروح في الجسد. ولا شك بأن هناك شيء من الجمال في بعض هذه الصفات وتبقى مصدر اعتزاز الناس والأمم بقيمها وأخلاقها، وهذا ليس منقصة ولا عيبًا. ولكن العيب في الخطاب المموه، والادراك الناقص. الحقيقة التي لا يريد أحد أن يقولها لو أن خطاباتنا مبني على الحقائق وليس على الوهم والتضليل لكان حالنا غير هذا الحال، ولم يتمكن منا العدو كما عليه الآن.
العلاقات الاجتماعية تحظى بمكانة عالية في مجتمعنا الفلسطيني والأردني، ولا يمكن أن تمنع تلك العادات أو أن تحد منها حتى لو الظروف كانت قاهرة وتمس حياتهم، وتصيب صحتهم بالعلل والأمراض، الناس في طبيعتهم اجتماعيون.
هذا الحال أيضًا ينطبق على الشباب المقاومين الذين يجتمعون في الأمسيات يتسامرون في المقاهي، أو في بيوتهم ويباغتهم العدو في معاقلهم ويتعرضون للتصفية أو يتعرضون للاعتقال. بل وأكثر من ثبت بالوجه القاطع أن الأمن الإسرائيلي لديه القدرات اللوجستية للتجسس من خلال الهواتف الذكية، ويستطيع أيضًا معرفة الأماكن التي يتواجد بها حاملي تلك الهواتف الذكية. كل شخص عليه أن يعرف الباب الذي تأتي منه الريح ويغلقه هذا إذا أراد السلامة له ولغيره.
ترك الأمور دون حسابات تؤدي إلى كوارث سواء أن أردنا أن نحارب أو أردنا أن نصالح، ولا يمكن لنا أن نكون شعوبًا تقود إلى الصعود الحضاري إذا لم نغير في خطاباتنا ورغبتنا وشهواتنا، ونقيم ما يحصل وفق الأصول والأرقام والمعطيات، هذه بديهيات العمل، وثوابت العمل الاجتماعي. الشواهد على الخطاب وعلى نمط التفكير كثيرة، ما يحدث هو استمرار للكارثة الوطنية التي أصابت الوطن والمواطن، إذا لم يختلف باختلاف الخطاب السياسي والاجتماعي والديني، سنبقى مشتتين ولا يمكن القبول باستمرار أخذ الناس رهينة الفئوية والحزبية، الوطن أغلى ولا يساوم عليه، والمواطن هو الركيزة الذي ننهض بها من أجل الوطن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها