أدوات التفتيت والتشتيت التي توجه سهامها إلى الفلسطينين تتنوع بين مصدرها بين الداخل والخارج بعضها توجه إلى الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة "فتح" والبعض يأتي من الخارج حيث تعززه إسرائيل من جهةٍ والولايات المتحدة من جهةٍ أخرى وبعض الدول الغربية. السؤال الذي يطرح نفسه كيف ولماذا تجتمع كل هذه القوى في آنٍ واحد وتوجه سهامها إلى الفلسطينيين، ممثلاً بقيادته "م.ت.ف"، والسلطة الوطنية الفلسطينية. داخليًا هناك قوى تطلق سهامها تحت غطاء الدين أو الوطنية بمفهوم التكفير والخيانة. وإسرائيل ترفض أن تحكم حماس أو فتح أو السلطة الوطنية الأراضي الفلسطينية موحدة، الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يطالب باصلاحات في السلطة الفلسطينية كشرط مسبق للنظر في حكم غزة. تجتمع كل هذه السهام في جعبة واحدة ووقتٍ واحد لتفتيت الشعب الفلسطيني. طبعًا ليس التقصير أو قدرات السلطة الوطنية هي السبب في ذلك، تجتمع كل هذه القوى للنيل من صمود ونضال الشعب الفلسطيني وكلها تشكل مخاطر تهدد أمن وسلامة المجتمع الفلسطيني، وهناك من الواضح من يوجهها.
المشهد اليوم الذي يأخذ مجراه في الشارع الفلسطيني يكاد أن ينفجر ويسبب الأسى والجروح التي تعصف في المجتمع الفلسطيني، لقد وصل الاحتقان في مداه أعلى المستويات. ولعلنا نستدل على ذلك مما نسمع ونرى من تصريحات وتعليقات وأحاديث يتم تداولها من الكلمات والمفردات والجمل، أقلها توجيه الاتهامات بالتكفير والتخوين.
من الواضح أن لوبيات من أشخاص وجماعات وتيارات اجتماعية سياسية ودينية وفكرية تعمل داخليًا وخارجيًا في المجتمع الفلسطيني، ولها اليد الطولى في تلك المهاترات، وكل ما في جعبتها هو رصد الأحداث ورصد اللقاءات والاجتماعات وكل تلك الفعاليات التي تدور في أروقة مجتمعنا الفلسطيني، ويتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بقصد الأزدراء والتخوين والتكفير، والتحريض بشكل مقزز.
سبحان الله في علاه، وكان الله عز وجل قد منح البعض التفويض الإلهي للنطق بالحكم على تلك الجهود التي يتم رصدها ومن ثم تأويلها إما بالخيانة أو التكفير والعياذ بالله. الدعوة إلى الله شيء جميل وقد حسم أمرها بأنها دعوة بالحسنى والدماثة والخلق الحسن أليس الله هو القائل جل شأنه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".
ألم يقل ربنا في علاه إلى سيدنا موسى إذهب إلى فرعون الذي يمثل آلهة الكفر "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" والله يعلم أنه لن يؤمن، الأمر كان دائمًا بالحديث الدمث اللين الذي ترق له القلوب، وليس الحديث المنفر والمقزز.
نحن نعتز بكل ما له علاقة بتعاليم الإسلام السمح، ونحن جزء لا يتجزء من هذه المنظومة التي وصفها الله سبحانه وتعالى "وجعلناكم أمة وسطا" صدق الله العظيم. هل يجوز أن نضع زيارة مسؤول لأحد الكنائس موضع استهزاء، كيف ذلك؟ المجتمع المسيحي جزء لا يتجزء من مكونات مجتمعنا الفلسطيني. أتعلمون، بالأمس أقيمت أحد الفعاليات الوطنية الثقافية وشارك فيها مسؤولين أحدهم رئيس الطائفة السامرية والأب عطا الله حنا إضافة إلى فضيلة الشيخ حاتم البكري أيضًا في تلك الفعالية، أقول يعلم الله أني سررت كثيرًا لأن هذه الفعالية جسدت معنى واحد ألا وهو وحدة شعبنا الفلسطيني بمكوناته العقائدية ومورثه الثقافي الروحي. وأنظر إلى فعاليات الأمن الفلسطيني في توفير الأمن للمجتمع، فقد انطلقت أبواق الدعاية بالتخوين والتكفير لأجهزة الأمن الفلسطيني، وأخذت تثير الدعاية بضرورة أن يترك أفراد الأمن وظائفهم على أساس الكفر والإيمان والخيانة الوطنية. وهم يعلمون حق العلم أنهم لو تعرضوا إلى المس بأمنهم لكان سؤالهم الأول أين الأمن وأين المحافظ وأين الوقائي ولنعتوا بالسب والشتم تلك الجهات بسبب أنها مقصرة. على كل الأحوال في كلا الحالتين يتم السب والشتم إن غابوا أو حضروا لأن ذلك هو التوجه لجهات لا تريد الخير لشعبنا الفلسطيني.
والمشهد الذي يطفوا على السطح اليوم بقوة، هو مشهد بين النصر والهزيمة للمقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها الذي يعتري القوى الفلسطينية المختلفة.
في كل الشواهد والمناسبات والتميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل أمرنا أن نستعمل عقولنا، ألم يخاطبنا الله عز وجل "فاتقوا الله يا أولي الألباب".
كيف لنا وبعد ألف وأربعمئة سنة من هذه الدعوة إلى التمعن، والتحقق، والتفكر أن يتم الاستخفاف بعقول البشر، في اعتقادي أن الأمر في هذا التوجه غير موفق. نحن نتعرض إلى غزو وهمي منظم للتشتت مبني على الوهم المقصود وتغييب العقول. اليوم قطاع غزة يحتاج إلى أكثر من ثلاث وثمانون مليار دولار للإعمار، وهذا لا يعني أن تعود غزة إلى سابق عهدها، تلك الواحة الجميلة المشاطئة للمتوسط، عرفت عبر التاريخ ممرًا للفاتحين والعلماء والدارسين، لتصبح كتلة من الرماد. أنا هنا أتحدث عن الصرعة التي تلوث عقولنا بقضايا الوهم. تجسدت الخسائر البشرية بأكثر من مئتي ألف شهيد وجريح. وكم أصبح لدى الاحتلال من الأسرى المعتقلين. نحن نتحدث بالشواهد عن نكبة حقيقية يمر بها قطاع غزة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
غزة عبر عام ونصف من الحرب توقفت فيها الحياة، وتعرض أبناؤها إلى حر الصيف وبرد الشتاء والأمطار. نحن نتحدث عن أزمة إنسانية، أناس وبشر توفاهم الله بعد أن تجمدوا من شدة البرد. نحن نتحدث عن العملية التعليمية التي توقفت منذ بدء العدوان على غزة، وعن المدارس والجامعات والمستشفيات التي تدمرت، نحن نتحدث عن الناس الذين ماتوا جوعًا وعطشًا ومرضًا. قل ما شئت، والحقيقة أن الشعب الفلسطيني أصيب بنكبة.
هناك شيء واحد وجب أن يكون هو أن تحترم العقول وضخامة الحدث، نعم المقاومة أدت واجبها باتجاه أهدافها في حرب فُرضت على الشعب الفلسطيني للنيل منه، يمكن القول أن المقاومة الفلسطينية لم تهزم في هذه الحرب، ومن الصعب بمكانها أن تسجل انتصارًا، وهذا كلام تحترمه العقول. وهذا أيضًا مقبول بشكل كبير لأن موازين القوى تتحدث عن نفسها، الجانب الإسرائيلي مدعوم من كل القوى العالمية، في المقابل المقاومة اعتمدت على الجهد الذاتي والمقدرات الجغرافية التي بنتها في الانفاق، والسلاح الخفيف الذي يتم تصنيعه، وهذا ليس تجنيًا على أحد.
من المهم أنه يجب أن تعلم المقاومة الفلسطينية أينما وجدت على الأرض الفلسطينية وقيادتها أنه لا يوجد أحد من الشعب الفلسطيني يريد أن تتم هزيمة المقاومة الفلسطينية في غزة ورغم كل المعاناة التي نزلت في الشعب في القطاع، إلا أنه لو تمت الهزيمة لا سمح الله فإن الضفة الغربية تنتظر كارثة أخرى في خضم استمرار المشروع الإسرائيلي، والتي قد تتضمن القوة المفرطة في تنفيذ هذا المشروع، لأن الهزيمة وآثارها لها ما لها وعليها ما عليها والثمن أكبر بكثير من كل الخسائر المادية التي أصابت الشعب الفلسطيني. وأقول أن الهزيمة في مكوناتها أصعب من النكبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني اليوم.
التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني كبيرة، وكل تلك السهام الموجهة إلى صدره مقصودة وجميعها تمكن إسرائيل وتفشل الفلسطينيين. كل الفلسطيني أينما تواجد مدعو إلى توحيد الجهود، وإسكات أبواق الباطل التي تنال من عزيمة الشعب الفلسطيني. عليكم أن تفهموا جميعًا إن ساندتم الواقع جزئيًا فإنكم تضعون خنجرًا في خاصرة الفلسطيني، عليكم إسناد الشعب الفلسطيني في كل جمعه. هناك من يتربص للقضاء على مسيرة الشعب الفلسطيني ووجوده، بل ويتربص بالمحيط العربي كله ولا يرون إلا أنفسهم هنا، إنه الاحتلال والاستيطان.
ومن هنا أتوجه إلى كل الفلسطيني للاسهام في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني إلى أن نخرج من هذه الأزمة اللعينة وهذا الحصار اللئيم الذي يُفرض علينا، حتى نستطيع أن نحقق أهدافنا ونتجنب الكثير من الكوارث التي قد تلحق بالقضية الفلسطينية والتي هي أمام تحديات كبيرة ومنعطف حاد من الداخل والخارج، قد يجر معه ما لا تحمد عقباه.
نريد أن تتحقق السلامة للمجتمع، وأن يسير الركب ويتحقق الأمل والمراد في دولة تجمعنا، دولة تجمع بين العلم والإيمان، بعيدًا عن نهج التكفير والتخوين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها