كان لتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأركان إدارته قبيل توليه مهامه الرئاسية، التي ستتم اليوم الاثنين 20 كانون الثاني/يناير الحالي دورًا مهمًا في الاسهام بإبرام اتفاق الصفقة بين إسرائيل وحركة حماس الذي تم مساء يوم الأربعاء الماضي الأمر الذي عكس ارتياحًا فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا للجهود التي بذلتها الإدارة الجديدة، التي ألقت بثقلها إلى جانب وسطاء الإدارة الأميركية، التي غربت شمسها عن البيت الأبيض والوسطاء من الأشقاء العرب مصر وقطر. إلا أن هذا الترحيب بالموقف الإيجابي لإدارة ترامب ظللته غيوم كثيفة بما تم تداوله من موقف خطير صادر عن شخصية مرموقة في الإدارة. حيث تداولت وسائل الإعلام المختلفة أمس الأحد 19 كانون الثاني/يناير عن شبكة "NBC" الأميركية، عشية تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب مهامه الرئاسية فكرة خبيثة وخطيرة تمس بمستقبل الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية، عنوانها أن الإدارة تدرس وتفكر في نقل جزء من سكان قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة إلى خارج القطاع أثناء عملية إعادة الإعمار، التي تضمنتها اتفاقية الهدن الثلاث، ومن بين الدول التي وقع عليها الاختيار، هي الدولة الإندونيسية، البعيدة آلاف الأميال عن دولة وأرض فلسطين المحتلة.

وحسب الشبكة الأميركية "NBC"، إنها استندت في تقريرها على تصريح من مسؤول بارز في الإدارة الجديدة، التي لم تفصح عن هويته، أو هو رفض ذكر اسمه، ونقلاً عنه، يفكر المبعوث الأميركي الجديد للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في زيارة غزة لمتابعة الوضع عن كثب على الأرض هناك، ولتعزيز وتكريس وقف إطلاق النار على القطاع، بعيدًا عن التقارير الإسرائيلية والإعلامية عمومًا. 
بديهي التأكيد للرئيس دونالد ترامب وإدارته والمسؤول الذي صرح، أن الشعب الفلسطيني الذي سطر بصموده الأسطوري في أرض وطنه الأم فلسطين على مدار عقود الصراع الثمانية الطويلة، وخاصةً صموده الفولاذي على مدار 471 يومًا خلت من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية لم تفتِ في عضده، ولم ترغمه على الإذعان لإرادة الغزاة المستعمرين الإسرائيليين، ولا لحلفائهم من دول الغرب وعلى رأسهم الإدارة الأميركية السابقة، ولم يستسلم لأهداف بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، ولم يغادر أرض الوطن الأم فلسطين، رغم ويلات وهمجية البربرية النازية الإسرائيلية وإبادتها غير المسبوقة في العصر الحديث، ولم تثنيه الخسائر الفادحة في الأرواح البريئة من الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء عمومًا عن التجذر في تراب الوطن، ولم ينهار ويرفع الراية البيضاء، ورفض التهجير القسري والتطهير العرقي، رغم الدمار الهائل والكارثي الذي طال ما يزيد عن 80% من الوحدات السكنية والمعابد الإسلامية والمسيحية والمدارس والجامعات وإخراج عشرات المراكز الصحية والمستشفيات والبنى التحتية، وحروب التجويع والأمراض والأوبئة، وكسر إرادة الغزاة جميعًا بإرادته التي لم تقهر.

ولو راقبت الإدارة الجديدة الوضع عن كثب، لوجدت، أن الذين غادروا إسرائيل من الصهاينة حسب الإحصاءات الإسرائيلية والغربية بلغ نحو مليون صهيوني، وبالتالي كان يفترض عليها استخلاص الدرس والعبرة من خلال قراءة اللوحة الماثلة للعيان، وأن تطالب سكان دولة الإبادة الإسرائيليين العودة لبلدانهم الأصلية، والدعوة لعودة الفلسطينيين لأرض وطنهم فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية، بدل التفكير بترحيلهم "طوعيًا" إلى دول شتات جديدة، أو في الحد الأدنى المطالبة بإقامتهم في المئتين كليو متر التي استولت عليها إسرائيل اللقيطة عام 1949 من أراضي قطاع غزة إلى أن يتم إعادة إعمار المدن والبلدات والمخيمات التي دمرتها الإبادة الإسرائيلية الأميركية في القطاع. هذا إن كانت معنية إدارة الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الإسهام في صناعة السلام الممكن والمقبول، لا أن تدرس وتفكر في ترحيل الفلسطينيين أصحاب الأرض والوطن الأصلاني.
وما لم تحققه حرب الأرض المحروقة على مدار الستة عشر شهرًا الماضية، لا يمكن لأي فكرة جهنمية أن ترغمه على النزوح من أرض فلسطين، لأنها أرض الإباء والأجداد على مدار آلاف السنين والحقب التاريخية المتعاقبة، وبالتالي على الإدارة الجديدة أن تسقط من تفكيرها ومخططاتها العدوانية عملية التهجير القسري الافتراضية والخبيثة، والمرفوضة جملة وتفصيلا، وكما قال سيادة الرئيس محمود عباس بعد عودته إلى أرض الوطن المحتل من الأمم المتحدة ورفع العلم الفلسطيني لأول مرة إلى جانب إعلام دول العالم الأعضاء في حديقة الهيئة الدولية في 30 أيلول/سبتمبر 2015: "نحن هنا باقون ومتجذرون وخالدون في أرض الوطن الفلسطيني"، لذا لا تحاول الإدارة الجديدة التورط في هذا المسار والمخطط الإجرامي، لأنها لن تنجح في ثني وإرغام الشعب الفلسطيني مهما كانت التضحيات الجسام التي يمكن تقديمها لاحقًا دفاعًا عن أهدافه الوطنية ومصالحه العليا تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية ودولته الفلسطينية القائمة، والتي ستحصل على استقلالها عما قريب شاء من شاء وأبى من أبى من دول العالم.