ثمة اتفاق بين من هم كانوا ضمن "محور المقاومة" وداعميه، وبين من خالفهم عسكريًا وسياسيًا، إن الشرق الأوسط قد تغير بشكل استراتيجي، من هنا فإن السؤال السحري الذي تشكل الإجابة عليه معرفة من انتصر ومن هزم في الحرب التي بدأت مع "طوفان حماس" في 7 أكتوبر عام 2023، وهو من المستفيد الأكبر من التغير الذي جرى ولمصلحة من انتهى؟.

المستفيد الأكبر، والذي تصب كل المتغيرات لصالحه هو الولايات المتحدة الأميركية، والتي بدون دعمها لإسرائيل بالمال والسلاح والغطاء السياسي، وحشد الأساطيل، ما كان هذا التغير ليحصل. لم تمثل إسرائيل في المعادلة سوى أنها الأداة العسكرية المباشرة، وتحملت مسؤولية البعد الأخلاقي لارتكابها حرب إبادة وكما لا يحصى من جرائم الحرب.

صحيح أن واشنطن كانت هي اللاعب الأكبر والأهم قبل الحرب، ولكن لم تكن الولايات المتحدة تحكم السيطرة على المنطقة كما هي عليه اليوم، وتكاد الدول الأخرى تكون غائبة تمامًا عن الشرق الأوسط، حتى فرنسا لم يسمح لها بالعمل في لبنان سوى بموافقة واشنطن، فالأخيرة هي صاحبة الكلمة الأولى في الشرق الأوسط.

وبغض النظر عما قيل ويقال عن تردد إدارة بايدن أو ضعفها بما يتعلق بإبرام صفقة غزة منذ أن طرحت المبادرة في أيار/مايو الماضي، ولكن من يتعمق بالأمر، فإن معظم الإنجازات الإستراتيجية التي حققتها واشنطن بالتعاون مع إسرائيل والحلفاء الآخرين، في لبنان وسوريا، ولجم المشروع الإيراني في المنطقة، وانهيار "محور المقاومة"، جرت كلها بعد أيار.

إن توقيت إبرام الصفقة في غزة الآن جاء بعد أن حصل كل هذا التغير الاستراتيجي، وفي لحظة لم تعد فيها للحرب أية أهمية بعد أن استنزفت كل أغراضها وحققت معظم أهدافها بالنسبة لواشنطن، من هنا جاءت، مقولة الرئيس ترامب، وبالطبع بالإضافة إلى أسباب أخرى، جاءت مقولته بأنه يجب أن تتوقف الحرب قبل تنصيبي، وتضافرت جهود الإدارتين لتحقيق ذلك. وهذا يبرز التباين ليس بين إسرائيل والولايات المتحدة، وإنما بسبب حاجات نتنياهو الخاصة الداخلية والتي لجمها الرئيس ترامب في نهاية الأمر.

إلى جانب الولايات المتحدة، هناك من يصنفون في صف المنتصرين، أبرزهم إسرائيل ذاتها.  

أما بخصوص من لحقت بهم الهزيمة تأتي إيران وكل حلفائها في "محور المقاومة" بالطبع، بالرغم أن طهران لا تزال تمتلك الكثير من أوراق المناورة، فهذا المحور خسر واحدة من أهم ساحاته بشكل كامل ألا وهي سوريا، كما تقلص النفوذ الإيراني في لبنان بدرجة كبيرة جدًا ما سمح بدخول لبنان مرحلة جديدة في تاريخه.

بعد كل هذه المتغيرات، يأتي السؤال الأهم وهو كيف ستقطف واشنطن خلال إدارة ترامب الثمار، خصوصًا أن الرئيس الجديد أعلن أنه سينشر السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؟ أو كيف ستتم هندسة الشرق الأوسط الجديد؟.

ولأن الرئيس ترامب يفكر بمنطق رجال الأعمال، فإنه وبعد تجربته في ولايته الأولى لا بد أنه يدرك أنه لا يمكنه القفز عن القضية الفلسطينية، وأن الصيغ الاقتصادية السابقة لا تحل المشكلة، ولا يمكن أن تكون كافية لإحلال السلام والاستقرار المنشود، فالدولة الفلسطينية هي ركن أساسي في مسعى استقرار الشرق الأوسط، وتحقيق الازدهار فيه وتحويلها إلى منطقة استثمارية ضخمة.

هناك أرضية أكثر صلابة اليوم لإنجاز السلام، وأن ما ينقص كل هذه التحولات هو إرادة أميركية قبل كل شيء فمن نجح في لجم نتنياهو، يمكن أن يسير قدمًا، بالطبع إذا أراد.

والاعتقاد السائد أنه يمكن إزاحة نتنياهو، أو على الأقل حلفاءه الأكثر تطرفًا من المشهد. فالولايات المتحدة لن تسمح لأي طرف بتعطيل قطفها لثمار إنجازاتها في المنطقة حتى لو كان نتنياهو نفسه.

وما نتوقعه أن الرئيس ترامب بات يدرك أن القيادة الفلسطينية قد تصرفت بحكمة، وكانت طرفًا منحازًا باستمرار السلام والاستقرار في المنطقة مع تمسكها القوي بهدف الدولة الفلسطينية، وقدمت القيادة هذه الدولة بأنها ستكون إيجابية وتلعب دورًا مهمًا لتحقيق هدف الاستقرار. وهذا ما تم لمسه في المحادثة الهاتفية الدافئة بين سيادة الرئيس محمود عباس والرئيس ترامب.