الكارثة الكبرى التي قد تحل بأي شعب يخوض كفاحًا ونضالاً وطنيًا، ويواجه حملة إبادة استعمارية ممنهجة تكمن في ثنايا عقول وأفعال جماعات محلية تقاطعت أهدافها من أهداف قوة الاحتلال الاستعمارية التي تعمل على اجتثاث وجود الشعب من جذوره، واغتصاب أرض وطنه التاريخي والطبيعي، أما أم الكوارث فتكمن في أن هؤلاء يعرفون ويعلمون ويدركون ذلك، لكنهم يمضون في عملية تخريب وضرب مقومات الصمود، ورموز المؤسسات الوطنية بعناوينها كافة، لكنهم يركزون على المؤسسة الأمنية الوطنية باعتبارها العمود الفقري لحركة تحرر الشعب الوطنية، والقاعدة الآمنة لبناء الوطن، ورفع مؤشر التنمية البشرية والاقتصادية في دولة الحرية والاستقلال المنشودة.

ما يحدث في بعض جوانب الوطن انعكاس واضح لا لبس فيه لهذه الكارثة، فالجماعات الاسلاموية الإخوانية القديمة والمشتقة منها، والمعروفة والمستحدثة على حد سواء، جميعها مستترة ومقنعة بمصطلحات دينية ما زالت حتى الساعة عاجزة عن تحقيق أهدافها المرسومة أصلاً في مراكز أجهزة منظومة الصهيونية الدينية الأمنية، لكن هذا التقدير لا يعفينا من رؤية خطر جسيم ومدمر، لأنهم بأفعالهم وجرائمهم المصممة عن سابق تصميم وترصد، يفتحون ثغرات في جدار القلعة الوطنية، لتمكين توأم مشروعهم "منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري" إسرائيل من اختراقها، واستكمال حملة الإبادة الدموية والاجتثاث والتهجير، فهؤلاء كالمنظومة الصهيونية يعتقدون بأن الوطنية الفلسطينية ليست خصمًا سياسيًا، إنما عدو ونقيض، يتنافسون مع الصهيونية الدينية القائمة بالاحتلال والاستعمار على ربح المعركة الفاصلة مع المشروع الوطني الفلسطيني.

الخطر الداهم من هؤلاء لا يستهان به، ذلك أنهم همجيون موعودون بمكانة مرموقة في العالم الآخر "الجنة" زرعها في أدمغتهم وأذهانهم المستحكمون بأبصارهم وبصيرتهم، وأوصلوهم إلى معتقد بأن سفك دماء الآخر الوطني فعل وعمل مقدس وليس عليهم سوى طاعة الأوامر من رؤوس جماعاتهم المجردين أصلاً من إنسانيتهم، الكافرين أصلاً بفكرة الوطن والوطنية التي لا يختلف عليها إثنان من أمة الإنسانية، المتعددة الأعراق والأجناس والألوان والعقائد الروحية والفلسفية. وهنا يجب تأكيد دور المنابر الدينية المستنيرة، المهتمة بتبرئة الدين والمؤمنين من أفعال هؤلاء، بالإرشاد والتوجيه والمواعظ الحسنة، وبيان خطر هذه الجماعات على سلامة وقوة النسيج الوطني، وجوهر الإيمان ومبادئ وقيم وشريعة الإسلام، وبالتوازي فإن على الجماهير الوطنية وقواها المنظمة الحية، الوقوف إلى جانب الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتعبير بشكل واضح وصريح عن دعمها لمواجهة هذه الجماعة تحت لواء سلطة القانون، فما يحدث من تحريض على السلطة الوطنية، وأجهزتها الأمنية الفلسطينية رِدة حقيقية، هدفها وأد المشروع الوطني الفلسطيني، ومنع قيام دولة فلسطينية، تمامًا كأهداف الصهيونية الدينية التي تفاخر بإعلانها مثلث الإرهاب الاستعماري الصهيوني: نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، حتى يمكننا القول بكل ثقة إن هؤلاء الذين يحرضون على الإخلال بالأمن الداخلي والمجتمعي الفلسطيني، ويوجهون أفرادهم بإطلاق النار على إخوتنا وأبنائنا مناضلي المؤسسة الأمنية بقياداتها وضباطها وأفرادها، لا يختلفون عن جوهر ومضمون تحريض رئيس حزب العظمة اليهودية بن غفير، ورئيس الصهيونية الدينية سموتريتش سوى باللغة، فهؤلاء يتكلمون العربية، لكن لغة القرآن  العربية، والعروبة وقيمها وأخلاقها بريئة منهم.

سيندم كل من يسمع لهؤلاء، أو يسكت عنهم، لأن مهمة هؤلاء استدراج الخراب والدمار لبلادنا، وتعميم الموت العبثي والتشرد والنزوح والتهجير القسري، على حساب الصمود والحياة وكرامة الإنسان الفلسطيني، وبقائه الأزلي في وطنه التاريخي والطبيعي، وعلى كل فلسطيني الإدراك، بأن هؤلاء ومن يدعمهم ويمدهم بالذخيرة والسلاح فترة زمنية وستمضي، أما الشعب وآماله وطموحاته، وعزته في فضاء الحرية والاستقلال فإنها كالوطن، جغرافيا ثابتة في الأرض لا تتزحزح أبدا.