بقلم: مهند جدوع

يخوض شعبنا الفلسطيني معركة صمود وبقاء في مواجهة مخططات الاحتلال ومستعمريه الهادفة إلى إنهاء وجوده واقتلاعه من أرضهم، خاصة في مدينة القدس المحتلة.

هناك يسابق الاحتلال الإسرائيلي الزمن لإكمال تهويد المدينة وسلخها عن تاريخها وحاضرها ومحو ملامحها العربية الفلسطينية الإسلامية والمسيحية.

ومقابل أعمال الهدم ومنع البناء التي تفرض على المقدسيين، يحظى المستعمرون بتسهيلات تتيح لهم التوسع والاستيلاء ليس في الشطر الغربي من المدينة فحسب، بل في شطرها الشرقي الذي يمثل عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.

ومن نجا منزله من السرقة، سيجد نفسه محاصراً بحد أدنى من الخدمات في القطاعات الأساسية، كالتعليم والصحة والاقتصاد وغيرها، من أجل تضييق الخناق على المقدسيين ودفعهم إلى الهجرة قسرًا بغية قلب ميزان الديمغرافيا في القدس.

وانطلاقًا مما سبق، فإن أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني اليوم، خاصة المقدسيين، إجراءات ومشاريع تعزز صمودهم وتحافظ على بقائهم في مواجهة سياسات الاحتلال العنصرية.

وقد أخذت وكالة بيت مال القدس، الذراع التنفيذية للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، على عاتقها تنفيذ سلسلة من المشاريع لحماية المدينة المقدسة والحفاظ على طابعها العربي والإسلامي وتعزيز صمود مواطنيها.

وقبل نحو أسبوع، تسنت الفرصة لوفد من الإعلام الرسمي، لزيارة مقر الوكالة الرئيسي في العاصمة المغربية الرباط، للاطلاع عن كثب على البرامج والأنشطة التي تنفذها لصالح القدس ودفاعاً عن المدينة وتعزيزاً لصمود مواطنيها.

قال مدير عام الوكالة محمد الشرقاوي: إن "الوكالة انفقت، منذ دخولها الفعلي حيز العمل قبل 25 عامًا، ما يزد على 70 مليون دولار لتنفيذ مشاريع اجتماعية شملت قطاعات التعليم والصحة والاسكان والثقافة والشباب والرياضة، وساهمت في دعم الفئات الأكثر احتياجًا في المدينة المقدسة من خلال برنامج خاص بالمساعدات الإنسانية، خاص بالأرامل والأيتام والمسنين والأشخاص من ذوي الإعاقة".

- بناء 5 مدارس وترميم 10 أخرى وتقديم 120 منحة دراسية:

تواجه مدارس القدس المحتلة ظروفًا صعبة بسبب إجراءات الاحتلال العنصرية، التي تمنع بناء مدارس أو صفوف جديدة، وفرض حظر على ترميمها أو توسعتها، إلى جانب محاولة فرض المناهج الإسرائيلية، وإرهاق المدارس الخاصة بالضرائب على مبانيها.

وللتخفيف من معاناة المقدسيين في هذا الإطار، نفذت وكالة بيت مال القدس عدة تدخلات وبرامج لصالح دعم منظومة التعليم في القدس بالتعاون مع شركائها الفلسطينيين لحماية المنهاج الفلسطيني والحافظ على الهوية المحلية.

وأوضح مدير عام الوكالة محمد الشرقاوي، أن الوكالة استطاعت حيازة عقارات لبناء خمس مدارس جديدة ورياض أطفال، وترميم وصيانة عشر مدارس قائمة، إضافة إلى تجهيز مباني الكلية الإبراهيمية، ومركز الطفل بشعفاط، ودار الطفل العربي، بطوابق جديدة ومختبرات وملاعب رياضية ومساحات خضراء، مشيرًا إلى أن الوكالة شرعت بتجهيز الحرم الجامعي لجامعة القدس- بيت حنينا، إضافة إلى 10 مدارس، بنوادي بيئية بدءًا من مدرسة الحسن الثاني بواد الجوز، مع إنجاز دليل الممارسات المُثلى الموجه للطلاب في المستويات الابتدائية والاعدادية، لحماية البيئة والتوازن الطبيعي في المدينة.

وبين أن الوكالة قدمت خلال عام 2024 منحًا لـ120 طالبًا في مختلف التخصصات، كما تم قبول 11 طالبًا من غزة لاستكمال تعليمهم في المغرب في تخصصات الطب البيطري، في الموسم الجامعي 2024-2025، وأطلقت برنامجًا لتشجيع الطلبة على إنجاز بحوث ودراسات جامعية، تعزز مواضيعها الوعي بمركزية القضية الفلسطينية، وبتاريخها الصحيح وجغرافيتها الكاملة.

- تجهيز مستشفيين ميدانيين وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية:

قطاع الصحة في القدس المحتلة، ليس أفضل حالاً من قطاع التعليم، فلم تسلم أي من القطاعات الحيوية من سياسات الاحتلال العنصرية.

وفي ضوء حالة الطوارئ التي تعيشها مستشفيات القدس والعجز الكبير في المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية، جراء عدوان الاحتلال على قطاع غزة، بادرت الوكالة إلى وضع برنامج للطوارئ للتخفيف من حدة تداعيات الحرب على أهالي محافظة القدس ومساعدة المستشفيات لمواصلة أداء واجبها.

وقال الشرقاوي: من أجل تحقيق ذلك جهزت الوكالة مستشفيين ميدانيين لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ووفرت الأدوية والمستلزمات الطبية لفائدة مستشفى المقاصد والهلال الأحمر، وأغطية وبطانيات لفائدة محافظة القدس ومستشفى المطلع، ووزعت حصصًا غذائية لفائدة محافظة القدس ومستشفيات: المطلع والمقاصد والهلال الأحمر.

وبين أن تلك التدخلات ساعدت في التخفيف من أزمة الاكتظاظ التي تعانيها مستشفيات القدس جراء الأعداد الكبيرة من العاملين في القدس والقادمين من غزة ممن طردوا من عملهم ولم يتمكنوا من العودة، كذلك مرافقي المرضى الوافدين من القطاع الذي استكملوا علاجهم ولم يتبق لهم مكان يأوون إليه.

- مئة تدخل في مجال ترميم وإعمار المباني الأثرية:

ومنذ بداية 2024، أطلقت وكالة بيت مال القدس جيلاً جديد من المشاريع، استهدفت قطاعات التنمية البشرية وبرامج تمكين المرأة والشباب والزراعة وإعادة الاعتبار للمباني التاريخية من خلال نموذج المركز الثقافي المغربي- بيت المغرب في قلب المدينة القديمة من القدس، الذي يمزج بين العمارة الأصلية للقدس والعمارة المغربية العريقة.

وتمكنت الوكالة من تنفيذ نحو 100 تدخل في مجال الترميم والإعمار والمباني الأثرية في البلدة القديمة وبعض أحياء القدس، ضمن رؤيتها للاهتمام بالمباني الأثرية وحماية العقارات بعد تصنيف مستوى الأضرار التي لحقت بها، بمراعاة الخصوصيات المعمارية والهندسية للمباني في البلدة القديمة.

- مشاريع متنوعة لصالح أطفال وشباب القدس:

ولم تغفل وكالة بيت مال القدس في برامجها فئة الأطفال والشباب، عن تنفيذ نشاطات عدة أهمها نموذج محاكاة القمة الدولية للطفولة من أجل القدس، وجائزة ألوان القدس، والتي شملت مدارس القدس والمغرب بهدف تعزيز حضور القدس والقضية الفلسطينية في الأذهان الناشئة.

وسنويًا، تنظم الوكالة المخيم الصيفي لأطفال القدس في المغرب، بالشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ويستفيد منه 50 طفلاً مقدسيًا.

ودعمت الوكالة برنامج كفالة اليتيم المقدسي، الذي يقوم على تقديم منحة شهرية بقيمة 80 دولار لفائدة أيتام القدس، واستفاد منها عام 2024 نحو 125 يتيماً، وبرنامج دعم المشاريع التشغيلية واستفادت منه حوالي مئة عائلة مقدسية بالتنسيق مع محافظة القدس، ومشروع التمكين الاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة، وبرنامج "حملة عونة" لمساعدة المزارعين في 28 قرية شمال غرب محافظة القدس وخمس قرى داخل جدار الفصل العنصري، بالتنسيق مع محافظة القدس، في موسم قطاف ثمار الزيتون، في إطار برنامجها لدعم الفئات النشيطة من المزارعين في كافة مناطق القدس.

- منصات رقمية لدعم صمود المقدسيين وحماية المدينة:

وإدراكًا لأهمية الرقمنة وسرعة تطور التكنولوجيا والفرص الهائلة التي توفرها للشباب لتجعلهم قادرين على إثبات ذواتهم وتعزيز قُدراتهم ومساعدتهم على التكَيُّف ومواصلة طريقهم في مجالات التجديد والابتكار، وفق شروط تمليها الظروف المحيطة بمدينة القدس، وصعوبات العمل والإنتاج فيها، من حيث القوانين، والضرائب، وحوافز الاستثمار، أطلقت وكالة بيت مال القدس استراتيجيتها الرقمية 2024-2027 بيت المال بلاص.

وأوضح الشرقاوي أن الاستراتيجية تتضمن: منصة لتوثيق وحماية التراث الإنساني للمدينة من خلال بيت المغرب، وهو معلم معماري أثري تاريخي ثقافي يقع في قلب البلدة القديمة من القدس على بعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى المبارك، ويعرض تاريخ المكون المغربي في القدس ويعزز العلاقات الوطيدة بين المغاربة والفلسطينيين، ويعد أول مركز ثقافي مغربي في القدس وأكبر مركز ثقافي عربي في فلسطين يمزج بين الطابع المغربي وفنون العمارة المحلية، مشيرًا إلى أن المنصة الثانية هي حاضنة المقاولات الناشئة، والتي تهتم بتوفير إمكانيات لحاضنة المقاولات الناشئة للشباب وفرص حقيقية للإدماج في أسواق العمل، واستفادت منها ست مقاولات فلسطينية ناشئة في الفوج الأول وشاركت في معرض "جايتكس أفريقيا" في مراكش في شهر أيار/مايو الماضي، كما تستفيد ست مقاولات ناشئة أخرى ضمن الفوج الثاني الذي سيحضر معرض "جايتكس العالمي" في دبي من 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

وبين أن الاستراتيجية تتضمن أيضًا منصة "دلالة" للتجارة الإلكترونية والتضامنية، والتي تهتم بتسويق منتجات المؤسسات الإنتاجية والجمعيات الحرفية في القدس من خلال شراء هذه المنتجات وعرضها في عدة معارض دولية، وفي إطار تضامني يهدف لدعم قطاع التجارة والخدمات في القدس وتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للعاملين فيها.

وقال: إضافة إلى ما سبق، ضمت الاستراتيجية الرقمية للوكالة منظومة متطورة للتعليم عن بُعد، فضلاً عن العيادة النفسية الإلكترونية للتكفل بحالات الاضطراب النفسي جراء الصدمات، إلى جانب تطبيقات "هيَّـــا" للترفيه والتثقيف في فضائل بيت المقدس، الموجهة للأطفال واليافعين.

وأضاف: هذه الجهود التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس الشريف، بإشراف مباشر من قبل رئيس لجنة القدس، الملك محمد السادس، تتعزز اليوم بمسار تحديث ورقمنة الإدارة، الذي توج بحيازة أولى شهادات قياسات الجودة العالمية، في مجالات تدبير المالية والشفافية والمأمونية.

وأكد مدير عام وكالة بيت مال القدس، أنه رغم ضعف الموارد ومحدودية التمويل، واجراءات الاحتلال، تصّر الوكالة على القيام بواجبها في خدمة المدينة المقدسة وصيانة مورثها الديني والحضاري، ودعم صمود أهلها المرابطين.