منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن دستور الجمهورية الجديدة بعد توليه الفترة الرئاسية الأولى، وما تلاها من انتخابات نيابية وتشريعية، اتجه التونسيون لتثبيت مبدأ تطبيق العدالة بميزان ومعايير القانون على الجميع، وهذا ما نعتقد أنه تطلعات مشروعة لدى المواطن العربي كل في وطنه وبلده، حيث الأمل والعمل قائم لتجسيد دولة القانون، وليس دولة الحزب الحاكم أو الأحزاب المتفقة على تقاسم كعكة السلطة والحكم، ويمكننا الملاحظة في هذا السياق أن رئيس الدولة المنتخب مستقل لا ينتمي لأي حزب، لاعتقاده أن الجماهير العريضة صاحبة المصلحة بتطور ونمو وتقدم ورفعة وكرامة وعزة البلاد تعتبر بمثابة القاعدة الشعبية اللامحدودة التي يمكن الارتكاز على ثقافتها الوطنية من حيث فهمها العميق لمبدأ المواطنة، ومعنى الحقوق والواجبات الفردية والجمعية، ودور كل فرد في استكمال عملية التحرر والبناء، ونعتقد أن تركيز رئيس الجمهورية الجديدة على الدور المحوري للشعب، يؤكد النظرية القائلة إن التغيير والانطلاق نحو الأفضل، يبدأ كقناعات ومبادرات جماهيرية لدى القواعد الشعبية، تلتقطها القيادة المخلصة في عملها لصالحه، وتتخذها قواعد ارتكاز لبرنامجها السياسي، وجوهرًا لخططها وسياساتها الداخلية والخارجية أيضًا.

نعتقد أن المجتمع السياسي العربي يرى تجربة نوعية تستحق الاهتمام والدراسة، والبحث في إمكانية تطوير مرتكزاتها النظرية والعملية، فشعوبنا العربية حريصة على رفع مستوى الاستقلال لبلادها، والارتقاء بأنظمتها السياسية بما يؤدي للاستقرار المنشود، وحفظ الحقوق الفردية وصونها، وضبط كل مسارات الحياة في البلاد تحت راية العدالة وسلطة القانون، كما أن الجماهير العربية بحاجة لتكريس مفاهيم جديدة وحقيقية لمعنى التحرر الوطني واستقلالية القرار، التي لا تنحصر في جلاء الاستعمار والاحتلال المباشر فقط، وإنما تعني التحرر الاجتماعي والثقافي والاقتصادي أيضًا، كقاعدة وطنية بمساحة طول وعرض البلاد، للارتكاز عليها والانطلاق منها نحو تحرر من الموروث الاجتماعي والثقافي البغيض، والارتهان الاقتصادي الذي كرسه المستعمرون، كشرط لابد منه لبلوغ أعلى درجات الحرية في اتخاذ القرارات السياسية السيادية. كما نعتقد أن الجماهير الوطنية الواعية، القادرة على استخلاص العبر، وقراءة المشهد السياسي بأبعاده كافةً، تبقى الأقدر على الحراك والنضال الشعبي السلمي، لمنع المتسلطين، المتلاعبين بمصير البلاد ومقدرات شعوبها.

نقدر نحن الفلسطينيون تبني الشعب التونسي للحق الفلسطيني، واعتباره قضية التونسي من رأس الهرم السياسي حتى كل فرد منه، ونؤمن يقينًا أن رفعة ومناعة تونس، انتصار لفلسطين، ولحركة تحررها الوطنية، المؤمنة بصحة وقوة واستقرار واستقلال وسيادة الأقطار العربية "عمقنا الاستراتيجي" فنحن قد مهدنا لأهدافنا في الحرية والتحرر والاستقلال والسيادة على أرض دولتنا، بإعلاء شأن القرار الوطني الفلسطيني، لإيماننا أنه القاعدة الأساسية للتحرر ورفع ركائز الاستقلال الحقيقي، لذلك قدمنا تضحيات جمة للحفاظ عليه، ومنع المساس به من تدخلات دولية وإقليمية، وقوى رجعية لا وطنية سعت لاستخدام فلسطين ورقة استثمار لمصالحها، وحصد مكاسب باسم الحق الفلسطيني، أما تونس فقد أكدت حسن وصواب نظريتنا وجواز تقديسنا للقرار الوطني الفلسطيني المستقل على درب استكمال نضالنا للتحرر والحرية والاستقلال والسيادة.

نجحت عملية الانتخابات الرئاسية في تونس الشقيقة، وبهذا النجاح تكون الجمهورية الجديدة قد انتقلت إلى مرحلة استقرار وتوازن، لاستكمال عملية التحرر الوطني كما وصفها الرئيس التونسي المنتخب من الشعب مباشرة للمرة الثانية قيس سعيد، وفاز ببرنامج انتخابي تعهد فيه استمرار الحملة القانونية المسنودة من الجماهير على الفساد والمفسدين، وقطع الطريق بقوة القانون على الذين قدموا مصالح دول أجنبية على حساب المصالح العليا للشعب التونسي.