منذ السابع من أكتوبر، أصبحت غالبية الطرق المؤدية إلى المدن والقرى الفلسطينية مغلقة، أو توجد عليها حواجز عسكرية تمتهن الفلسطيني. تضربه أحيانًا، تفتش هاتفه أحيانًا بحثًا عن أي شيء له علاقة بالعدوان، تمنعه من التنقل، تحتجزه فقط لكونه فلسطينيًا، ولكي يفكر عشرات المرات قبل أن يقرر التنقل عبر هذه الطرق.

ستجد الحواجز العسكرية تعترضك في كل مدينة، يفتشونك وكأن على جبينك وسمًا بالارهاب، تسمعهم يضحكون عليك، يستفزونك بنظراتهم وكلماتهم السوقية، ليس لسبب فقط لأنك فلسطيني. تحدق بك كاميراتهم وترصد تحركاتك أينما تتنقل في الضفة الغربية، فلقد تم تصميمها خصيصًا لمسح وجهك رقميًا وإعطائه بصمة توسمك بدرجة الخطورة.

وعندما ينقذك الحظ في الخروج من هذه الحواجز المليئة بالكراهية والعنف، تعترض سيارتك العديد من سيارات الشرطة الاسرائيلية، تجدها لا تُوقِفُ إلا سيارات العرب ذات اللوحة البيضاء، أما اللوحة الصفراء فهي محصنة من المخالفات والتفتيش إلا إذا كان سائقها ذا ملامح عربية، لن تجد في دربك أيها العربي الفلسطيني إلا العنصرية، هي تملأ المكان والزمن، ويكسوها ماضٍ عميق، زوّروا فيه التاريخ فحولوا أسماء مدننا الكنعانية القديمة إلى مدن تنتمي إلى أساطيرهم وأحقادهم التوارتية.

فمنذ السابع من أكتوبر، مُنِعَ العربُ الفلسطينيون من العمل داخل الخط الأخضر، إذ فقد أكثر من 180 ألف عامل رزقهم الذي تعتاش عائلاتهم منه، ومنعت تصاريح الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، ومنعت التصاريح الطبية، ومنع الآلاف من السفر إلى الخارج، ومنع كل شيء عن الفلسطينيين كعقاب جماعي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، بحيث أصبح هذا الشعب يعيش في معازل منفصلة، يعيش في فقر وبؤس، يعيش في واقع جديد للفصل العنصري قوامه التعذيب والتنكيل والتعامل بدونية واستعلاء وانتقام.

منذ السابع من أكتوبر، ليس في وطننا مكان للعدل والمساواة، يقتحمون علينا بيوتنا، يتبجح جيشهم بأن له الحق في عمل أي شيء لأنه باختصار جيش احتلال. وأي احتلال هذا الذي يحول حياة الفلسطنيين إلى جحيم يومي، ويقطع الأرزاق، ويقتل الأطفال والنساء والشباب، يريدك فقط أن تبقى عبدًا مطيعًا لا تفكر ولا تسعى للحرية. وعندما يستشعر رغبتك في الانعتاق، يتحول من سيد يتظاهر بالود إلى كلب مسعور ينهش ويتوعد ويقتل ويدمر. ومن أجل شرعنة سلوكه هذا يستخدم الدين تارة ليطلق عليك مصطلح الأغيار "الجويم"، وكأنك أتيت إلى هذه الأرض من كوكب أخر، وتارة أخرى  ليبرر القتل والاغتصاب والسرقة ضد هؤلاء الأغيار، وكأنهم ببساطة انتحلوا قداسة الرب ومنحوك قذارة الشيطان، إنهم باختصار الإسرائيليون الصهاينة.

منذ السابع من أكتوبر، تغير مفوم الأبارتهايد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، فقد كان في السابق هدفه إنشاء معازل للفلسطينيين داخل الدولة اليهودية الواحدة "كانتونات"، أما بعد السابع من أكتوبر، فقد أصبح هدفه التطهير العرقي وتهجير الشعب الفلسطيني، وتكسير إرادته، وتقويض مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. وسرعان ما تسارعت وتيرة تهويد القدس، واتسعت هجمات المستوطنين المسلحين على الفلاحين الفلسطينين، وأصبحت معتقلات الأسرى مسالخ كبيرة تنتزع الكرامة والحياة عنهم. وفي النتيجة، بدا وكأن ضم الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر وكأن هذه السياسة أصبحت سريعة وتشير إلى أن الضم يجب أن يكون دون سكان، تماماً مثل خطة "داليت" التي انتهجتها عصابات الهاجاناة في حرب 1948.