تدور الأيام والليالي في دورة الإبادة والموت والفاجعة والنزوح والدمار على أبناء الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا في ظل قصف الصواريخ والقنابل الثقيلة والذكية والمرض والأوبئة والجوع والفاقة، وتجثم العتمة وغياب الأفق في صمت المدافع، وتكتم النازية الإسرائيلية الأميركية على أنفاس الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بلا رحمة وبوحشية قل نظيرها في العصر الحديث، وضجيج المواقف المستنكرة والشاجبة والمنددة سماء الدنيا بلا طحن. لأن قراصنة المحرقة الصهاينة وراعي البقر الأميركي يحرقون أشرعة السفن المحملة بالأمل لطي صفحة الإبادة الجماعية على الشعب المنكوب بكوارث ونكبات دولة اسبارطة المارقة.
وفي خضم ذلك السواد المقيم منذ 320 يومًا من الحرب الجهنمية، يواصل أركان الإدارة الأميركية زيارة قبلتهم الأولى إسرائيل محملين بالعطاءات السخية من المال والدعم السياسي والديبلوماسي وأسلحة القتل الاحدث في العالم، وللتبرك بها وبمذابحها ومجازرها المتوالية على المواطنين الفلسطينيين الأبرياء والعزل، إلا من إرادة البقاء أو الموت تحت الأنقاض، والإصرار على التجذر في أرض الوطن الأم فلسطين، ورفض التهجير القسري أي كانت التضحيات الجسام التي يدفعونها من لحمهم ودمهم الحي. رغم الأفق المسدود وشديد القتامة والتلبد بغيوم سوداء وعواصف شديدة لتعميق وتوسيع دائرة الإبادة.

ووسط هذا الطواف الأميركي جاء بلينكن اليهودي الصهيوني لتل ابيب يوم الاحد 18 آب/أغسطس الحالي للمرة التاسعة ليرش السكر على الموت والابادة الجماعية، ويعلن دعمه وتأييده لرجل المحرقة الأول نتنياهو، وتبنى مواقفه الرافضة وقف الحرب، والمعطلة لإبرام صفقة الرهائن، عبر الإعلان الكاذب بعد جلسة محادثات معه طالت لثلاث ساعات طوال، أن إسرائيل "توافق" على الخطة الأميركية المعدلة، ويليه رئيسه الصهيوني الجيد، بايدن بتصريح مماثل، محملاً أذرع الفصائل الفلسطينية المسؤولية في استمرار حرب الدم. مع أن القوى الفلسطينية أكدت موافقتها على مبادرة الرئيس نفسه في الثاني من تموز/يوليو الماضي، والذي نقضها ورفض الالتزام بها حليفهم الاستراتيجي المقيم في قيسارية.
وللتأكيد على هذا الموقف، أعلن نتنياهو أمس الثلاثاء العشرين من آب/أغسطس الحالي بعد مغادرة وزير خارجية البيت الأبيض، خلال لقائه مع أسر أهالي الرهائن الإسرائيليين، أنه "ليس متأكدًا من أنه سيكون هناك صفقة"، وأضاف: "لكن إذا كان هناك اتفاق فيجب أن يحافظ على المصالح الإسرائيلية"، وعمق رفضه الصريح بالقول إن "إسرائيل لن تنسحب من محور فلادلفيا ومحور نتساريم تحت أي ظرف من الظروف". ووصف رئيس حكومة الإبادة تلك المواقع بأنها أصول حيوية واستراتيجية لإسرائيل سواء من الناحية العسكرية او السياسية. وعليه يرفض مبدأ وقف الإبادة، ويؤكد إصراره على تبديد أية بارقة أمل للاقتراب من أي حل سياسي، ويشدد على رفض استقلال دولة فلسطين، واستمرار فصل غزة عن الضفة. 

وللتضليل والخداع صرح صموئيل وريبرغ، المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية أمس الثلاثاء في لقاء خاص مع قناة "سكاي نيوز عربية"، أن واشنطن تريد الوصول إلى نهاية الحرب في غزة بأسرع وقت. وادعى أن الإدارة الأميركية قدمت "مقترحًا جديدًا لسد الفجوات في المفاوضات". الذي تبين أنه مقترح الانحياز مع رؤية رجل إسرائيل القوي، المتمسك بخيار مواصلة الإبادة الجماعية.
ولمزيد من الأكاذيب والافتراء على الحقائق، وللانتقاص من دور السلطة الوطنية، والالتفاف على أهليتها وشرعيتها، أضاف: أن "الإدارة الأميركية متفقة على أن الشعب الفلسطيني يستحق دولة، والدولة تحتاج حكومة وسلطة توفر الخدمات الإنسانية والقوانين لشعبها". ومع ذلك يعترف بوجود "السلطة الفلسطينية منذ سنوات، ولديها الإمكانية لتوفير الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني بعد الحرب". إلا أنه ١نقض ما تقدم بالتأكيد على أن "الولايات المتحدة لا تفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يقرر من سيمثله في أي حكومة مستقبلية"، وكأن لسان حاله لا يشكك فقط بمكانة وشرعية وأهلية السلطة والقيادة الفلسطينية، بل يسحب البساط من تحت أقدامها، بالادعاء أنهم لن يفرضوا على الشعب الفلسطيني الحكومة التي ستمثلهم، وبالتالي يتناغم مع رؤية نتنياهو بإيجاد إدارة أو حكومة محلية من روابط القرى، أو على شاكلتها.

والنتيجة توافق إسرائيلي أميركي على إدامة الإبادة الجماعية، وتحميل الشعب الفلسطيني الواقع تحت فاجعة الكارثة والنكبة الجديدة المسؤولية عن استمرارها، والالتفاف على دور ومكانة القيادة الشرعية الفلسطينية وحكومتها على طريق تبديد الكيانية الفلسطينية. ليس هذا فحسب، بل أن بعض المصادر الإسرائيلية سربت أمس خبرًا مفاده، أن بلينكن ناقش مع رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم آليات الرد المسبق على حزب الله وإيران، وهو ما يعني توسيع دائرة الحرب الإقليمية، وليس إسكات المدافع، وإبرام صفقة التبادل للأسرى، والذهاب للحل السياسي، وهذا ما عكسه وجود حاملات الطائرات والغواصات والبوارج الأميركية في المياه الإقليمية العربية.