بعد مضي ما يقارب السنة على بدأ حرب الإبادة، هناك استسلام مخيف لمبدأ استمرارها بشكلها الدموي الوحشي الذي نعيشه يوميًا، بدأنا نسمع أصواتًا مرتفعة من الوسطاء وغيرهم بأن الحرب قد تستمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالطبع يقدمون التبرير الذي كنا نسمعه منذ وعد بلفور، أي قبل أكثر من مئة عام، اللوبي الصهيوني ومدى تأثيره على أصحاب القرار في الولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية. علينا أن نتذكر أن فلسطين قد تم شطبها عن خارطة الشرق الأوسط والعالم سنة 1948 في ظروف مشابهة، عندما كان الرئيس ترومان بحاجة لدعم اللوبي  للفوز بالانتخابات، مع أن فلسطين كان مصيرها قد تحدد عمليًا قبل الحرب المذكورة. بعد أن كان الكيان الصهيوني قد رسخ أقدامه وأصبح له اقتصاد ومخالب وأنياب في ظل سلطة الانتداب البريطاني، ولم يكن بحاجة إلا لممر العنف لينفذ من خلاله عملية التطهير العرقي، ونفذها بالفعل عندما لاحت له الفرصة بعد الحرب العالمية الثاتية.

اليوم يتكرر المشهد مع الشعب الفلسطيني، لنجد أنفسنا مرة أخرى نقع في مصيدة الانتخابات الأميركية.

المهم أن غزة وفيها أكثر من مليونين ونصف المليون فلسطيني مصلوبون اليوم على خشبة هذه الانتخابات، كنا يمكن أن نصبر عندما يقال لنا بعد الانتخابات في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وبعدها قد تتغير الأمور، ولكن أن يقال أيضًا، أن على غزة تحمل حرب الإبادة حتى تسلم الرئيس الأميركي المنتخب منصبه في البيت الأبيض نهاية كانون الثاني/يناير القادم، ومن ثم الانتظار حتى يحدد الرئيس الجديد سياسته وأولياته، فهذه هي وصفة الموت نفسه. والمشكلة أن ترجمة هذا المسلسل المتكرر  مرارًا أن الضفة قد تعلق على الصليب نفسه أيضًا، وأن آلافًا من الفلسطينيين سيفقدون أرواحهم وتدمر ممتلكاتهم، ويكون الناس في قطاع غزة قد خسروا حتى نزعة الرغبة باستمرار الحياة.

ثمة حاجة أن يتخيل كل انسان نفسه وكأنه في قطاع غزة لكي يمتنع أولاً، عن استخدام المزايدات المقيتة، وثانيًا، أن لا يستخدم مفردات الاستسلام لقدر الانتخابات الأميركية، أمامنا خيار واحد أن نعمل على وقف الحرب. والرسالة موجهة أيضًا للوسطاء، الذين نشكرهم على كل جهودهم حتى الآن، ولكن، الوساطة الحقيقية هي تلك التي تجري في الظروف الأكثر صعوبة، وأن لا ننسحب. بل بالعكس أن نعمل على خلق تضامن أوسع، في نهاية الأمر الولايات المتحدة لها مصالح في المنطقة وهناك حاجة لأن تشعر أن ضمان مصالحها مرتبط بوقف الحرب وإلا فإن العرب سيبحثون عن تحالفات وحلفاء جدد، والمساهمة بالفعل بتغير معادلات النظام الدولي الذي لا تزال واشنطن تتحكم به.

السؤال الراهن المهم إذا كانا نحن والعرب وأوروبا وروسيا والصين، لا يستطيعون وقف حرب الإبادة، أو لا نستطيع إجبار الولايات المتحدة ونتنياهو على وقفها فما هو الحل؟

وإذا كان محور المقاومة لا يستطيع فرض واقع يوقف الحرب فما العمل؟

هل نترك قطاع غزة لمصيره؟ ومن المسؤول عن أخذه لهذا المصير وأن لا نكتفي بلعن الشيطان؟

أكثر الأخطار التي واجهتنا، خلال كل مراحل صراعنا مع المشروع الصهيوني الاستعماري. هي أن نترك عقولنا ووعينا للتعميمات، وأن لا نسأل أنفسنا الأسئلة الصريحة والدقيقة، التعميم يأخذنا بعيدًا عن أي نظرة نقدية. ونريح أنفسنا بلعن الشيطان؟.