بقلم: بلال غيث كسواني

على بعد كيلو متر واحد جنوب المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، تقع بلدة سلوان التي يقطنها عشرات آلاف الفلسطينيين، يتهددهم خطر التهجير القسري، نتيجة استهداف الاحتلال الإسرائيلي للبلدة بالتهويد والاستيطان.

تلك البلدة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 5 آلاف عام حيث كانت النواة الأولى لمدينة القدس، والتي يطلق عليها اسم "حامية القدس" لأنها تشكّل قوسًا حاميًا للبلدة القديمة على امتداد حدودها جنوبًا، تعاني منذ احتلالها عام 1967، وتتعرض نصف أحيائها للتهديد بالهدم، بذريعة أنها مقامة على أطلال "مدينة الملك داوود"، وغيرها من الذرائع التي يطلقها الاحتلال للاستيلاء على منازل المواطنين وممتلكاتهم وأراضيهم، لصالح المستعمرين.

وفي آخر فصول هذه المعاناة، أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا يقضي بتهجير أربع عائلات من حي بطن الهوى في البلدة، بناء على إدعاء من "جمعية عطيرت كوهنيم" الاستيطانية بأن 5 دونمات و200 متر مربع من أراضي الحي تعود لليهود منذ عام 1881.

ومنذ عام 2015، تعمل سلطات الاحتلال على تسليم إخطارات "وبلاغات قضائية" للعائلات الفلسطينية في الحي، لإخلاء منازلهم، ولا يملك المواطنون خيارًا للدفاع عن حقهم في منازلهم وإثبات ملكيتهم، إلا باللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية، التي في الغالب تكون محاكم صورية، وتابعة لمنظومة الاحتلال.

ورفضت "المحكمة المركزية الإسرائيلية" وهي المحكمة الثانية بعد "محكمة الصلح"، الاستئناف الذي قدمته عائلات "الرجبي، غيث، أبو ناب"، على قرارات إخلائها من منازلها، لصالح المستعمرين، وبموجب القرار تمهل المحكمة العائلات تسعين يومًا، للاعتراض في "المحكمة العليا الإسرائيلية".

والمنازل المستهدفة الأربعة تضم تسع وحدات سكنية، تأوي أكثر من ثمانين فردًا، بينهم كبار سن وأطفال ومرضى وذوي إعاقة.

ويقول زهير الرجبي رئيس لجنة حي بطن الهوى في بلدة سلوان: "أن الخيار الأخير للعائلات هو تقديم استئناف على قرار الإخلاء في المحكمة العليا، بعد رفض المحكمة المركزية الاستئناف الذي قدمته العائلات بعد صدور قرار الإخلاء من محكمة الصلح".

ويضيف الرجبي: "نواجه محاولات التهجير من قبل المستعمرين وجمعياتهم ومن قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عشر سنوات، ونرفع قضايا للدفاع عن منازلنا في محاكم الاحتلال، ولكن بلدية الاحتلال والمحاكم يستغلون العدوان المتواصل على قطاع غزة من أجل تمرير هذه القرارات".

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دفعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالعديد من المخططات الاستعمارية في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة.

ويشير الرجبي إلى أن الاحتلال يستهدف سلوان لقربها من المسجد الأقصى المبارك، موضحًا أن حوالي 87 عائلة لديها 87 وحدة سكنية في 16 بناية، تقع على ثلاثة دونمات وتؤوي حوالي 700 مواطن، يتهددها الإخلاء في حي بطن الهوى، وتواجه القرارات والبلاغات القضائية في محاكم الاحتلال المختلفة، مبينًا أن الاحتلال يستهدف منازل تعود لعائلات الرجبي وشحادة والشويكي وعودة وأبو رموز وسلوان والدويك وبسبوس وأبو ناب وغيث، وحوالي ثلثي هذه العائلات هي عائلات لاجئة تهجّرت من منازلها إبان احتلال القدس عام 1967.

ويضيف: أن "الهدف من هدم منازلنا هو توسيع ما يسمى بالحوض المقدس عبر تهجيرنا ودفعنا لترك البلدة في محاولة لتثبيت روايات الاحتلال المزعومة"، موضحًا تفاصيل النضال القضائي الذي تخوضه العائلات في محاكم الاحتلال للدفاع عن ملكيتها لمنازلها.

ويقول قعور: "نحن بصدد تجهيز البينات والاستئناف وسيجري تقديمه للمحكمة العليا خلال تسعين يومًا ولا نعرف متى يتخذ القرار النهائي، خلال أشهر أو خلال سنوات".

ويضيف: "خلال جلسة الاستئناف في المحكمة المركزية شددنا على أهمية إلغاء قرارات بلدية الاحتلال لأنها جائرة وغير قانونية"، مؤكدًا أن إدعاء المستعمرين بأن منازل المواطنين المقدسيين مبنية على أرض تعود للوقف اليهودي باطلة.

ويقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب: إن "العائلات ستتوجه للمحكمة العليا ولكن القضاة فيها سيعتمدون إدعاءات المحكمتين السابقتين"، موضحًا أن دولة الاحتلال تحاول أن تظهر أمام العالم أنها تستند إلى القانون وأن القضية "حكم قضائي" وليس تهجير الفلسطينيين بقوة السلاح.

ويقول: أن الجمعيات الاستيطانية لم تقدم أي بينات وفقط تعتمد على روايات تاريخية لاستعادة الإرث اليهودي في القدس كما تزعم، وبالتالي لن يستطيع أحد الاعتراض على قرارات المحاكم الثلاث في النهاية، ويبقى بعد ذلك الأمر التنفيذي لشرطة الاحتلال، ويمكن أن ينفذ التهجير خلال عام في حال أكدت "المحكمة العليا" على قرار المحكمتين "الصلح والمركزية".

ويضيف: "على الجميع أن يدرك أن القضاء الإسرائيلي جزء من منظومة الاحتلال ويدعم المشاريع الاستيطانية، والمستعمرون يحاولون جر المواطنين للمحاكم لجعل النزاع قضائي على الملكية وليس سياسي، وفي النهاية لن تعطي هذه المحاكم قرارات لمصلحة المقدسيين"، مشيرًا إلى أن الأحياء المستهدفة في سلوان هي حي "وادي حلوة" ويمتدّ على مساحة 750 دونمًا ويبلغ عدد سكانه 5 آلاف نسمة، وحي "البستان" ومساحته 70 دونمًا ويعيش فيه 1550 مقدسيًا في 109 منازل هدم منها 10، وحي "بطن الهوى" المستهدف حاليا، وحي "وادي الربابة" ومساحته 210 دونمات يعيش فيه 800 مقدسي، 405 منهم مهددون بالتهجير القسري، وحي "وادي ياصول" ومساحته 310 دونمات يعيش فيه 1050 مقدسيًا وصدرت قرارات بهدم 84 منزلًا فيه، وحي "عين اللوزة" ومساحته 870 دونمًا ويقطنه 3400 مقدسي وتسلم أصحاب 283 منزلًا فيه أوامر بهدمها.

ويؤكد أبو ذياب أن "سلطات الاحتلال تستغل تسليط الأضواء وإنشغال العالم بالحرب على غزة لحسم موضوع القدس وتغيير التركيبة السكانية لصالح المستعمرين وفرض وقائع على الأرض وتغيير المشهد فيها لصالح مشاريع التهويد والاستيطان".