لست مندفعًا، ولا متهورًا عاطفيًا، ولا مصاب بعمى الألوان، ولا خافية عليّ أهداف البعض، ولا أجهل غياب الخطة والاهداف لمبادرة اقتحام المستعمرات والكيبوتسات وقيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية يوم السابع من أكتوبر العظيم 2023، ولكني أراقب سيرورة وصيرورة حرب الإبادة الصهيو أميركية الغربية الرأسمالية على أبناء شعبي العربي الفلسطيني، وأعلم حجم الدمار والموت البشع والمجازر التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وقصف وتوقف العشرات من المستشفيات والعيادات، والحصار الجهنمي المفروض على أبناء الشعب في قطاع غزة، والعقاب الجماعي المفروض عليهم، وحملة التجويع القذرة التي تفرضها إدارة بايدن وإسرائيل اللقيطة والغرب الامبريالي المجرم واللا إنساني، ومنع الوقود والغذاء والدواء والمستلزمات الطبية.. وغيرها من جرائم حرب الأرض المحروقة. 

 

ومع ذلك، إذا ما قرأنا جيدًا وبإمعان ما حصل يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر الماضي، فإن ما حصل في دولة التطهير العرقي الإسرائيلية كان هزيمة عميقة بكل معايير الكلمة لم تشهد مثلها منذ تأسيسها، وهزيمة الدولة العبرية مختلفة اختلافًا جوهريًا عن هزيمة أي دولة من دول العالم الأصلانية، لأن الهزيمة لدولة المرتزقة الخزرية لها محتوى ومضمون مغاير، لأنها أولاً دولة بلا جذور، ولا تاريخ لها، ولا موروث حضاري يلازمها؛ ثانيًا كونها دولة فاشية ووظيفية استعمالية أقامها الغرب الامبريالي لخدمة مصالحه في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير، وأعتقد أن هزيمتها في السابع سيدفع الغرب آجلاً أم عاجلاً لإعادة نظر في موقفه منها ومن الأثمان التي يدفعها لخدماتها، والبحث عن بدائل من المنطقة، إذا بقيت المنطقة على حالها؛ ثالثًا لأن إسرائيل لا تقبل القسمة على أي هزيمة، فالهزيمة الأولى، هي الهزيمة الأخيرة، حتى لو بقيت إلى حين موجودة بفعل عوامل موضوعية، وليس لمقومات ذاتية إسرائيلية، وهي اشبه بالمتفجرات، الخطأ الأول فيها، هو الخطأ الأخير؛ رابعًا التداعيات الناجمة عن الحرب المجنونة ستكون ذات نتائج كارثية على الوجود الإسرائيلي في أرض فلسطين، حيث ستشهد هجرة معاكسة خطيرة، وانهيار الاقتصاد، مهما ضخت الولايات المتحدة من أموال لدعمها. لأن التآكل الداخلي وانهيار قطاعات الاقتصاد والبورصة والتكنولوجيا، والمؤسسة العسكرية الأمنية ستتداعى، وأبعادها الثقافية والدينية ستتلاشى؛ خامسًا مكانتها الإقليمية والعالمية في تراجع غير مسبوق. رغم العصا الأميركية الغليظة المفروضة على الدول العربية والإقليمية وباقي دول العالم لابقاء علاقاتها بإسرائيل. 

 

اما عوامل الانتصار الفلسطينية فهي تتمثل في التالي: أولاً تمكن اذرع المقاومة محدودة العدد والعتاد من هزيمة المؤسسة العسكرية الأمنية بكل مكوناتها، التي لا تقهر، وجلعتها أشلاء ممزقة، رغم كل عمليات الترميم التي تقودها واشنطن وعواصم الغرب الأوروبي؛ ثانيًا مواصلة الصمود والدفاع عن الشعب حتى الآن بعد مرور 27 يومًا، رغم حمم وضخامة الخسائر الفادحة في أوساط الشعب الفلسطيني نتاج الحرب الأميركية الغربية الإسرائيلية المسعورة؛ ثالثًا مجرد وجود اساطيل الغرب متعددة الأصناف، وما تحمله من أسلحة فتاكة من مختلف الأنواع على سواحل فلسطين التاريخية، وتدخل قواتها المباشرة في الحرب الى جانب الجيش الإسرائيلي هو اعلان هزيمة للغرب وإسرائيل وكل من يتساوق معهم؛ رابعًا حتى لو تمكنت القوات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية من اجتياح محافظات الجنوب الفلسطينية، ودمرت كل الانفاق، وقتلت كل المقاومين، فإنها هزمت شر هزيمة؛ خامسًا غزة ومعها كل الشعب الفلسطيني في أرجاء الدنيا يقاومون كل الغرب الرأسمالي، وتقف حجر عثرة أمام مخططهم الجهنمي العبثي، المنقلب على القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني وحقوق الانسان عمومًا والطفل خصوصًا؛ سادسًا فشلهم في مخطط التطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وال48 وخصوصًا في قطاع غزة؛ سابعًا اتساع وتعمق التضامن الشعبي العربي والإسلامي والعالمي، وكل انصار السلام في الكرة الأرضية، ولهذا البعد أهمية قصوى في رفع الروح المعنوية؛ ثامنًا ما ستحمله الحرب الهمجية من تداعيات إيجابية قريبة ومتوسطة على المنطقة برمتها. 

 

إذا على المرتجفين والمنبطحين والانهزاميين أن يكفوا عن ندبهم وفذلكاتهم، وهرطقاتهم البائسة، لأن بعبع إسرائيل سقط مرة وإلى الأبد، وباتت الدولة المارقة والخارجة على القانون بمثابة خرقة ممزقة، حتى لو بقيت لحين. لانها دولة لم تشأ أن تكون جزءً من الإقليم، ورفضت خيار السلام، وحالت دون حصول الشعب العربي الفلسطيني على أبسط حقوقه السياسية والقانونية في استقلال دولته وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، رغم أن الشعب الفلسطيني وقيادته قدموا تنازلات غير مسبوقة من اجل صناعة السلام الممكن والمقبول عربيًا ودوليًا وفق قرارات الشرعية الدولية، إلا انها ادارت الظهر لكل ذلك، واستباحت وتستبيح حتى اللحظة وإلى أن تزول القوانين والشرائع والمعاهدات الدولية، ومضت في خيار الموت والاستيطان الاستعماري وجرائم الحرب. وللحديث بقية مع صيرورة الحرب، التي من الواضح أنها ستتطور أكثر فأكثر.