لنضع النقاط على الحروف، ونتحدث بمنتهى الصراحة، أين يمكن ان نضع السلطة الوطنية، في خريطة موازين القوى العسكرية في هذا الإقليم...!! الواقع يقول إنها خارج هذه الخريطة، والواقع أيضًا يقول: إن السلطة الوطنية عمليا، هي حكومة دولة فلسطين، وهذه الدولة، وإن كانت لا تزال تحت الاحتلال، فإن لها سياسات الدولة ومسؤولياتها، الداخلية، والخارجية، وإذا كان لها أن تعلن الحرب على أحد -إن كان بمقدروها ذلك- ودولة فلسطين لا تملك هذه القدرة، فلا جيوش لديها، ولا مخازنها مليئة بالدبابات والطائرات الحربية المقاتلة، ولا بالصواريخ من أي حجم ونوع كان، لكن إن كان لها أن تعلن الحرب، سيفرض نظامها السياسي، وعقدها الاجتماعي ضرورة الاجماع الوطني، لاطلاق هذا الإعلان، كما أن تحالفاتها وعلاقاتها الإقليمية، تلزمها بالتشاور والتنسيق، كي لا تكون في المحصلة، بلا جدران ساندة، وقواعد آمنة، على الأقل في الموقف، والخطاب السياسي، والاعلامي من حولها.

سنذكر، والذكرى تنفع المؤمنين، أن دولة كالشقيقة سوريا حين احتلت أراضيها في الجولان اثر حرب الايام الستة عام 67 من القرن الماضي، أعلن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد يومها، ضرورة تحقيق التوازن الاستراتيجي، مع العدو المحتل، حتى تتمكن سوريا من تحرير الجولان واستردادها..!! لا شيء تحقق من هذا التوازن حتى الآن، ولا بأس، نفهم سطوة وهيمنة القوى الكبرى في هذا العالم، على قرار الحرب والسلم، في هذه المنطقة، وهي هيمنة ما زالت لصالح دولة الاحتلال إسرائيل، وما زالت لصالح قرار الحرب كلما كان قرارا إسرائيليا..!!

سنذكر، دائمًا الذكرى تنفع المؤمنين، أن "محور المقاومة" الذي يوصف أيضا بأنه "محور الممانعة"  ليس مجموعة من التنظيمات والفصائل فحسب، وإنما  هو دول كذلك، أبرزها وأهمها أيران، بل إن هذه الدولة،  هي التي تقود هذا المحور، وقد بات تحت شعار وحدة الساحات، ولدى إيران، عدا جيشها الرسمي، الحرس الثوري، وجيش القدس، وترسانة حربية متخمة بالصواريخ، والطائرات المسيرة، وها هي الحرب الاسرائيلية الهمجية على أحد اطراف محورها، تتواصل منذ خمسة وعشرين يوما، ولم تطلق طهران النظام والدولة، رصاصة واحدة تجاه إسرائيل..!! لن نسأل أين وحدة الساحات، التي حين تألفت هناك، في الضاحية الجنوبية من بيروت، لم يسأل أي طرف منها، رأي السلطة الوطنية بهذا الشأن، ولا بأس في ذلك أيضا..!! لن نعاقر اليوم لحظة العتب، أشعلت اسرائيل الحرب، وما زالت تواصل إضرام نيرانها حتى أحالت قطاع غزة المكلوم، إلى ركام، واطاحت بحياة الآلاف من ابنائه، شهداء وجرحى، ولهذا لا عتب ولا لوم عندنا الآن، بل بحث مضني عن سبل وقف هذه الحرب، واجهاض أهدافها العدوانية .

وعلى أية حال "محور الممانعة" لم ولن يطالب بغير ما تطالب به دولة فلسطين، وقف الحرب فورًا، وعلى الأقل، هدنة إنسانية، تسمح بمعالجة بعض جراح القطاع المكلوم. لكن لماذا الاعلام الاستعراضي، والتحريضي، يطالب دولة فلسطين بموقف مغاير لهذا الموقف!! لماذا يريد منها أن تعلن الحرب، ودول وحدة الساحات، وطهران قاعدتها الآمنة، لم تفعل ذلك، ولن تفعل ذلك..!!

ولابد هنا أيضًا من التوضيح أن دولة فلسطين ملقاة على عاتقها مسؤوليات، ليست كالتي ملقاة على عاتق دولة مثل إيران، وليس لديها ما تملكه طهران، لا عسكريًا، ولا اقتصاديًا ولا ميليشياويًا. دولة فلسطين مسؤولة عن حياة شعب، تتربص به حرب همجية، كي لا تتوسع هذه الحرب، ومن أجل وقفها أساسًا. دور دولة فلسطين ليس هو دور أي دور دولة خرى، وقطعًا ليس كدور ايران، وغاياتها ليست هي غايات هذه الدولة، التي هي غايات استحواذ، وتوسع نفوذ في هذه المنطقة، وهذه ليست غايات دولة فلسطين، ولا هي تطلعاتها، وإنما دحر الاحتلال عن أرضها وتحقيق السلام في هذه المنطقة.

كل هذا لا يعني اننا لن نجابه هذه الحرب الهمجية، ولن نسمح لها أن تمتد، لتوسع مساحة مجالها الحيوي الذي يمكنها من مواصلة مجازرها، صامدون نحن هنا، بلا تبجح، ولا مزاودة، ولا انفعال، ونسعى في كل اتجاه ممكن، لإخماد نيران هذه الحرب المدمرة، وباختصار نحن في هذه اللحظة الكف الذي يقاوم المخرز، وبالطبع دائمًا وابدًا لا حول ولا قوة إلا بالله، أليس هذا هو من أسس الإيمان والتقوى والتسليم .