ما هو أكثر أهمية بالنسبة للفلسطينيين من أجل الانتصار لقضيتهم هو أن يبقوا أحياء صامدين على أرض وطنهم ويطورون حياتهم عليها، استمرار الحرب على قطاع غزة، والجحيم والدمار والخسائر البشرية والمادية يتناقض مع هذه الحقيقة تمامًا، من هنا ضرورة وقف الحرب بأي طريقة، وألا يسمح باستمرارها تحت أي مبرر، وعدم وقف الحرب لا يعني فقط أن ماكينة القتل والتدمير الإسرائيلية تواصل عملها بوحشية، بل أيضًا يبقي الباب مفتوحًا أمام عملية تهجير واسعة، وأن تتم عملية تطهير عرقي ربما لمئات الآلاف من مواطني غزة. وما يعزز هذا الاعتقاد مسألتان: الأولى أن الحرب مستمرة، والثانية أن دولة الاحتلال تتحكم بكل الحدود البحرية منها والبرية.

بالتأكيد هناك ضرورة دائمة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وألا يتوقف النضال حتى نطوي صفحة الاحتلال، ولكن يجب التذكير دائمًا أن الصمود على الأرض هو بحد ذاته مقاومة ذكية وتحقق نتائج إستراتيجية أفضل، ضمن طبيعة الصراع، وطبيعة العدو وقوة وحجم المساندة التي يلقاها، فهذا يحتم البحث دائمًا عن أساليب نضالية ذكية لا تقدم للعدو أي مبرر لتدمير الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية. فالوجود الفلسطيني يجب أن يكون هو المقدس في معادلة الصراع، فإذا تم تهجير الفلسطينيين من وطنهم سيكون من الصعب عليهم العودة له، أو أن ذلك سيحتاج إلى عقود وربما أكثر، ما دامت المعادلة الدولية بالشكل التي هي عليه الآن، والتي تصب في مصلحة إسرائيل.

إلى جانب مخاطر تدمير مقدرات الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، فإن التهجير يبقى التهديد الأشد خطورة، فإذا بقينا على أرضنا، ومهما استغرقنا من الوقت في عملية ترميم حياتنا وإعادة بناء ما تم تدميره، فإن المهم أن نبقى ولا نبرح المكان، وأن نعمل على وقف الحرب قبل أن نصل إلى لحظة نفقد فيها حتى وجودنا المادي كشعب في القطاع، أو أن يخفض هذا الوجود بطرق يصبح معها غير فعال كثيرًا. والمشكلة الأكثر خطورة هو إذا نجحت إسرائيل في تمرير مخطط التهجير في قطاع غزة، فإنها قد تنقل التجربة إلى الضفة وتقوم بعملية عسكرية واسعة بحجة وجود سلاح ومسلحين، وتنفذ مخطط تهجير قسم من السكان، خاصة في المناطق الأكثر خصوبة وصالحة لإقامة المستوطنات.

سحب الذرائع من بين يدي نتنياهو، ووقف الحرب هو أفضل بكثير من الاستمرار بها، لأن النتائج قد تكون أكثر سلبية بعد شهر أو شهرين. وربما علينا النظر باستمرار إلى تجربة نكبة العام 1948، قلة قليلة جدًا في حينه من الشعب الفلسطيني كانت تدرك في بداية أحداث ذلك العام أن التهجير وضياع فلسطين هو الفصل الأخير لتلك الحرب، التي استمرت نحو عام ونصف العام، وهذه القلة لم تستطع فرض وجهة نظرها على أغلبية كانت لا ترى سوى البندقية كحل، وحتى بدون أي محاولة لتعزيز صمود الفلسطينيين في المدن والقرى فسقطت بسرعة الواحدة بعد الأخرى. 

المطلوب الآن هو عدم مد عمر الحرب ليوم واحد آخر إن أمكن، وبعد ذلك يمكن القيام بعمل وطني موحد يمنع التهجير، والعمل على إعادة البناء بأسرع ما يمكن للحفاظ على وجود الغزيين في القطاع.

وبالرغم من أن المشكلة هي إسرائيل وسياسة حكومتها اليمينية، فالشعب الفلسطيني هو الضحية، ولكن هناك مسؤولية تقع علينا، وهي إنهاء الانقسام وكل المواقف التي قادت إليه، وعلى حماس هنا أن تدعم بشكل واضح فكرة أن تتحمل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية المعترف بها دوليًا المسؤولية في قطاع غزة، وإعادة توحيد أراضي الدولة الفلسطينية، والتأهب بشكل جماعي لإعادة البناء. مسألة إعادة بناء المنظمة بحيث تضم الجميع وهي الخطوة التي يمكن أن تأتي مباشرة بعد أن نرسخ إعادة توحيد غزة مع الضفة، وأن يتم السعي معًا لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

حماس مع الأسف لا تزال تتصرف بمنطق الانقسام، وهي وبرغم ما حصل من دمار تصر على حكمها المنفرد لغزة، وهي تتقاطع مع نتنياهو برفض إعادة قطاع غزة لحضن الشرعية الوطنية الفلسطينية.

لقد آن الأوان إلى وضع سياسات التخوين جانبًا وتوحيد الصف الفلسطيني لأن البديل هو نكبة أشد وأمر من نكبة العام 1948.