الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والذي أكدت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية يتناقض مع القانون الدولي وعلى إسرائيل إنهاء الاحتلال في أقرب وقت.
القرار ليس ملزماً، لكنه يأتي في هذا التوقيت بالتحديد واستمرار إسرائيل بارتكاب جرائمها والإبادة الجماعية في غزة وهي أكثر إلحاحاً وفظاعة بكثير.
على عدم شرعية الاحتلال وتعريفه والمشروع الاستيطاني الاستعماري العنصري، وعدم شرعيته برمته، وأن ممارسات إسرائيل وسلوكها الإجرامي وانتهاكات للقانون الدولي، وإنها إدانة شاملة، لإسرائيل بصفتها دولة إجرامية.

يدعي عدد من الحقوقيين الإسرائيليين والناشطين اليساريين، أن هذا الرأي الإستشاري للمحكمة قد يشكل أهم إدانة صدرت بحق إسرائيل على الإطلاق.
وإن محاولة التقليل من قيمة هذا الحكم هي مهمة محكوم عليها بالفشل، وتقارن اللحظة الحالية بوضع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وفي الواقع قد يأثر القرار بشكل تدريجي، وفي القريب سيكون لدى الجميع شعور بأنه لم يتغير شيء في الأساس. ولكن هذا سيكون شعورًا مضللاً.
‏وسيتم الشعور بتأثير الرأي من خلال المستشارين والفاعلين في تنفيذ القانون الدولي في مختلف الدول.
وهذا ما ينتظر إسرائيل في الأشهر المقبلة وحالات كثيرة ستعيد فيها مختلف الدول النظر في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل، العلاقات التجارية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
لكن على العكس من ذلك ومن الجانب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي، هو التطرف وحالة الإنكار الإسرائيلية وتكرار السخافة وتوجيه الاتهامات، واتهام العالم كله بأنه "معادي للسامية".
إن التأكيد على أن لإسرائيل الحق في حرمان شعبنا الفلسطيني من حريته وحقوقه الأساسية والاستبداد، وبهذا فإنها تثبت تفوقها اللأخلاقي.

وهذا ما أظهرته الردود من الأحزاب الإسرائيلية المختلفة وهذا ما يؤكده القرار الذي أقره الكنيست الأسبوع الماضي بأغلبية كبيرة ومعارضته إقامة دولة فلسطينية، والمضي في توسيع المشروع الاستيطاني الاستعماري، وكذلك الموافقة على البؤر الاستيطانية.

إسرائيل لم تتوقف عن ارتكاب الجرائم وقتل أبناء شعبنا بشكل ممنهج منذ عقود في القدس والضفة الغربية وغزة، فإن الطبيعة المنهجية للهيمنة الإسرائيلية والقمع هي التي نظرت فيها المحكمة. الرأي الإستشاري ليس حكمًا، هو وصف للواقع.
باختصار ما زالت إسرائيل تمارس عملية الإنكار وبأنها قوة احتلال وهي أصل كل الشرور ضد شعبنا الفلسطيني.
ومنذ نشأت إسرائيل، باشرت في شرعنة القوانين  وفرضت الأحكام العرفية على أبناء شعبنا منذ عام 1948. بعد أن نفذت جرائم القتل والتهجير القسري بحق شعبنا.
ولم تكتفي إسرائيل بذلك، فقد توسعت بشكل كبير من خلال احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وعلى افتراض أنه مؤقت أدى إلى إنشاء حكم عسكري للقمع وفرض أدوات السيطرة والسطو على الأراضي الفلسطينية ومواردها وبناء المستوطنات وطرق الفصل العنصري التي تم بناؤها، ونشر أعداد كبيرة من الجنود للمراقبة وفرض السيادة والفوقية اليهودية والعدوان المستمر ضدّ شعبنا الفلسطيني.

كالعادة رحبت منطمة التحرير الفلسطينية والفصائل بقرار المحكمة، وأن هذا القرار يُشكّل تطوراً مهماً في مواقف المنظمات الدولية؛ حيث يُعد من النادر أن تصدر منظمة دولية قراراً بهذا الشمول والدقة في توصيف انتهاكات وجرائم الاحتلال في فلسطين. حول التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورحبت السلطة الفلسطينية بهذا الرأي. ووصف سيادة الرئيس محمود عباس القرار بأنه "انتصار للعدالة" ودعا المجتمع الدولي إلى "إلزام إسرائيل كقوة احتلال بإنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي دون أي شروط".
ورغم أهمية هذا القرار، يبقى السؤال الجوهري هو مدى إمكانية فرض هذه القرارات على الاحتلال في ظل عدم التزام الاحتلال بقرارات المحكمة وعدم الالتزام لتنفيذ أي من القرارات السابقة المتراكمة منذ عقود وتدين الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، وانتهاك القوانين الدولية، دون أن تُترجم إلى خطوات تنفيذية.

إن قرار محكمة العدل الدولية يعتبر قراراً هاماً ويجب الاعتماد عليه فلسطينياً وعربياً ودوليًا، وهو ما لا يمكن أن يكون دون إنهاء الانقسام الفلسطيني وبناء استراتيجية وطنية فلسطينية وتوفير الإمكانات لأحداث تغيير حقيقي.
وترجمة هذا التغيير والدعم الدولي الكبير الذي تستعيد فيه القضية الفلسطينية مكانتها العالمية وتجعل إسرائيل منبوذة في العالم في ظل استمرار جرائمها في غزة والضفة من حرب الإبادة وسياسات الضم والسيطرة على فلسطين.
ويجب على المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنهاء إسرائيل للاحتلال غير القانوني، وعلى المجتمع الدولي تفكيك نظام الأبارتهايد الوحشي ضد شعبنا.
وهذا ضمن إجراءات سريعة من السلطة وعلى كل سفير من السفراء الفلسطينين المنتشرين في أنحاء العالم القيام بحملة ترويجية للفرار، وتسليمه شخصيًا لوزراء الخارجية الأوربيين وغيرهم، وعقد مؤتمرات صحافية حول قرار محكمة العدل الدولية لتحويله إلى إجراءات ملزمة ضد الاحتلال.

وحث المحكمة تبني توصيات، والعمل على اتخاذ تدابير جادة لوضع حد للوجود غير الشرعي للاحتلال في فلسطين، رغم القناعة أن الإدارة الأميركية ستُشكّل عقبة حقيقية أمام إصدار مثل هذه القرارات.
الاحتلال لن ينتهي من خلال المحاكم والآليات القانونية، بل سينتهي عندما تدفع إسرائيل الثمن، وفرض عقوبات ضدها ومقاطعتها وتشعر بأنها منبوذة بشكل حقيقي، وأن استمرار الصراع سببه إفلات إسرائيل من العقاب، ومحاسبة المجرمين والمعتدين على القانون الدولي والإنساني.
فإسرائيل ما زالت تتصرف بعنجهية ووحشية كبيرة ضد شعبنا دون أي اعتبار للتغيير الدولي والعالمي الذي يدين إسرائيل ويعترف بالحق الفلسطيني وحقه في الحرية وتقرير المصير وعودة اللاجئين.
قرار المحكمة لن يغير من عدالة القضية الفلسطينية وحقها في مقاومة الاحتلال وتحوز على أكبر شرعية ودعم دولي شعبي كبير، وقد يساهم في إنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري.

تجربة الشعب الفلسطيني مريرة وتعرضه للخذلان وللتواطؤ المستمر من قبل المؤسسات الدولية، خاصة مع استمرار حرب الإبادة منذ حوالي عشرة أشهر.
وما يحتاجه شعبنا هو تحويل هذا القرار وعشرات القرارات السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة إلى قرارات قابلة للتنفيذ الفوري. وسؤال شعبنا الدائم هو ما فائدة وقيمة هذه القرارات إذا لم تُفرض على الاحتلال وتنفيذها؟ خاصةً وأنه لم يتم تنفيذ أيٍ من القرارات السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة بوقف حرب الإبادة ضد قطاع غزة وعدم التزام الاحتلال بكل قرارات محكمة العدل الدولية السابقة، بما فيها القرار الإستشاري بشأن جدار الفصل العنصري.
من دون ذلك، سيبقى الرأي الاستشاري مجرد قرار ودليل إضافي. على أن إسرائيل فوق القانون وأن ازدواجية المعايير والشرعية الدولية والعدالة والقانون الدولي هم مجرد مصطلحات ليس إلا.