للجزائريين في قلوب أشقائهم الفلسطينيين مكانة خاصة، رغم أن أبناء الشعب الفلسطيني يحملون في قلوبهم وعقولهم كل مشاعر الاعتزاز بالاشقاء العرب من المحيط إلى الخليج دون تمييز إلا بمقدار الانتماء للأمة العربية، والدفاع عن مصالحها وأمنها القومي، والنهوض بمشروعها التنويري، وحماية موروثها الحضاري والتاريخي العربي الإسلامي. كما لا يميزون بين مواطن ومواطن في الوطن العربي بغض النظر عن اثنيته ومعتقده الا بمقدار انتمائه لأرض وطنه ودولته الوطنية، وحرصه على الشراكة العربية العربية بعيدًا عن المشاريع الغربية والصهيونية المشبوهة، التي تستهدف دس الفتنة بين شعوب العالم العربي وفقا لمبدأ "فرق تسد"، لتمزيق وحدة الدول العربية إلى هويات قزمية متناثرة، وتبديد ثروات الشعوب، وحرمانها من التطور الديمقراطي.

مع ذلك هناك خصوصية للشعب الجزائري الشقيق في أوساط الشعب الفلسطيني تتمثل بطبيعة المعاناة من الاستعمارين الفرنسي والصهيوني. لا سيما وإنهما من طينة واحدة، طينة الاستعمار الاستيطاني، الهادف لتصفية هوية الأرض والشعب في كلا البلدين الشقيقين. مع فارق نسبي غير بسيط، يتجلى في أن الاستعمار الصهيوني لا يتوقف عند حدود الاستيطان الاستعماري، ونفي الهوية الوطنية الفلسطينية العربية، وإنما الاحلال الكلي للمستعمرين الصهاينة عبر عملية تطهير عرقي واسعة لأبناء الشعب الفلسطيني، والسطو على موروثه الحضاري والتاريخي، وبالتالي القواسم الكفاحية بين الشعبين عميقة عمق الروابط التاريخية بين التجربتين الكفاحيتين.   

لم يكن ما تقدم إلا عنوانًا هامًا من عناوين الاحتفاء الفلسطيني بذكرى استقلال الجزائر الشقيق الستين، المناسبة العزيزة على قلوب وعقول كل الأشقاء العرب دون استثناء، لأن إحياء الذكرى الستينية، هو إحياء لحالة النهوض القومي العربي، التي تعثرت لاحقا بفعل العديد من العوامل، ليس هنا المجال لعرضها. وكأن إحياء الذكرى بمثابة استحضار لعملية النهوض العربي، ولفت النظر للنخب السياسية والثقافية لإخراج دول وشعوب الأمة من مستنقع التقوقع على الذات والتراجع عن المسؤوليات الوطنية والقومية، ومغادرة مواقع وخنادق الاستسلام لمشيئة أعداء الأمة، الذين أرادوا وعملوا ويعملون حتى الآن على استباحة وإذلال الشعوب وقياداتها، ونهب ثروات الدول والأنظمة السياسية العربية من أقصاها إلى أقصاها، وتبديد وتصفية القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية بهدف نسف الروابط القومية بما فيها الشكلية بين أنظمة الجامعة العربية.

إذًا احتفال الجزائر الشقيق بيومه الوطني، هو احتفال بحرية واستقلال شعب شقيق وعظيم قدم مليون ونصف المليون شهيد دفاعا عن سيادته على أرضه وتقرير مصيره، وقدم نموذجًا رائدًا لشعوب الامة والعالم وليس في الوطن العربي وإفريقيا فقط، وإنما في المعمورة كافة، إن الشعب إذا أراد يومًا الحرية، فلا بد أن يستجيب القدر والاستعمار أيا كانت قوته وبطشه وفاشيته. والذكرى الـ60 أمس الثلاثاء الموافق 5 تموز/ يوليو للجزائر تأكيد لذلك، وعنوان للمجد والعطاء والفداء والتضحية، والدرس الأعظم للشعب الفلسطيني ليواصل طريق الكفاح لبلوغ هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة.  

كان إحياء ذكرى الاستقلال الجزائري الـ60 أمس، بحضور رؤساء دول عربية وإفريقية على رأسهم سيادة الرئيس محمود عباس، الذي لبى دعوة شقيقه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عنوانًا من عناوين التكافل والتضامن مع الذات الوطنية والقومية. كما هدف منه إرسال رسالة للقاصي والداني في العالم كله، عنوانها التأكيد على أن الشعب الفلسطيني وقوى الثورة الفلسطينية المعاصر، المنضوية في منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد بقدر تضامنها ووقوفها مع شعبها الشقيق في الجزائر، بقدر ما أرادت إعلان تمسكها الراسخ بحرية واستقلال وعودة الشعب لوطنه الأم، وسيادته الكاملة غير المنقوصة على أرض فلسطين العربية، ودفاعها المستميت عن أهدافها وثوابتها الوطنية أي كانت التضحيات، وأن القيادة الفلسطينية تتمثل روح الفداء والعطاء الجزائرية البطلة. 

إذًا في يوم حرية الجزائر الستينية تجدد فلسطين ممثلة بقيادة منظمة التحرير إصرارها على المضي قدما في كفاحها التحرري حتى بلوغ النصر الكامل، وطرد الغزاة المستعمرين الصهاينة وكل من يقف خلفهم، ومن يساندهم ويتآمر معهم على قضية الأرض والشعب والهوية الوطنية الفلسطينية.

وستبقى تجربة الجزائر الرائدة عنوانًا من عناوين الاستلهام للمضي قدما في طريق الاستقلال، وزوال الاستعمار الصهيوني، والنهوض القومي العربي لكل شعوب الأمة من المحيط الى الخليج. وكل عام وشعب وقيادة الجزائر الأبية بخير، وأرجو للجزائر المزيد من التقدم والرقي، كما وأتمنى لكل دول وشعوب الأمة دون استثناء الرخاء والتطور والتنمية المستدامة للارتقاء بالشعوب الشقيقة إلى مصاف الدول المتقدمة.

المصدر: الحياة الجديدة