في زحمة التطورات الساخنة والمتصاعدة في عموم أراضي دولة فلسطين المحتلة وخاصة في القدس العاصمة الأبدية بين أبناء الشعب ومقاوميه وقيادته وبين العدو الصهيوني بمختلف مركباته العسكرية والأمنية والسياسية والدينية والإعلامية، تم الكشف عن الخط الساخن بين يحيى السنوار، رئيس حركة "حماس" في محافظات غزة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، مما آثار ردود فعل سريعة أولاً في أوساط الحركة حيث أعلن كل من محمود الزهار وخالد مشعل، عضوًا المكتب السياسي للحركة بعدم علم مراكز القرار في الحركة بما أعلن عنه، في حين أكد خليل الحية، نائب رئيس الحركة في غزة، وعضو مكتبها السياسي، والمقيم منذ فترة في الدوحة القطرية بمعرفة القيادة بالاتصال.

وبعد انتظار دام عدة أيام اصدر السنوار تصريحًا واضحًا وصريحًا، أعلن فيه أن الاتصال والخط الساخن مع نتنياهو والقيادات الإسرائيلية تم لخدمة مصالح الجماهير الفلسطينية  (...!!). وهو اعتراف صريح وبائن ولا يوجد فيه أية ضبابية أو رتوش أو مغمغة. وهي ليست المرة الأولى التي تعترف بها حركة حماس بالاتصال والتنسيق المباشر مع القيادات والوزراء ورؤساء الوزراء، حيث أعلن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة عندما كان رئيسًا لوزراء الحكومة العاشرة الحمساوية بشكل كامل بالسماح للوزراء بالاتصال والتنسيق مع نظرائهم الإسرائيليين، وكان موسى أبو مرزوق أعلن على فضائية القدس في لقاء مع عماد الافرنجي، وفي لقاء مع طوني خليفة على فضائية الجديد عن استعداد قيادة الحركة للتفاوض المباشر مع حركة حماس، هذا بخلاف التنسيق المباشر الذي يديره غازي حمد وبين مكونات حركة حماس ونظرائهم من دولة العدو الإسرائيلية.

بالنسبة لي أجزم أنني أعرف، أن حركة "حماس" منذ وجدت وهي تنسق مع القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية، ولم ينقطع التنسيق بينهما، وبات الكل يعلم ان نتنياهو ومن خلال السفير القطري محمد العمادي، الذي كان ومازال يحمل الأموال بالحقائب لفرع حركة الاخوان المسلمين في فلسطين، بهدف تمويل الحركة، وحماية دورها كرديف واسناد لها في مواجهة اذرع المقاومة الحقيقية بما في ذلك ابطال كتائب عز الدين القسام التابع لحركة حماس الاحياء والاموات منهم، الذين لم يتورطوا للحظة بالعلاقة مع دولة العدو الصهيونية. كما ان الدولة العميقة والمباشرة في دولة المشروع الإسرائيلية لم تشن يوما حربا او اجتياحا على محافظات قطاع غزة بهدف تصفية الحركة، وانما لتلميعها، وتسويقها امام الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي وحتى العالمي، مع ان إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة بالتعاون مع إلادارات الأميركية المتعاقبة منذ إدارة كلينتون وبوش الابن واوباما وترامب وهي تحرص على حماية وديمومة حركة حماس، رغم كل حملات التضليل الإعلامية الكاذبة ضد الحركة، كما فعلت في تسويق وتلميع المجموعات التكفيرية المارقة والخارجة على القانون ك"داعش" و"النصرة" وغيرها من المسميات ذات الصلة، والهدف تشويه مكانة وسمعة الإسلام والمسلمين، وتضخيم الفوبيا من الدين الإسلامي الحنيف، الذي لا يمت بصلة لتلك الجماعات، وهو بريء منها، ومن جرائمها وأدوارها الوظيفية التخريبية.

وبالعودة للخط الساخن بين السنوار وحليفه نتنياهو، أسأل قيادات الحركة لماذا هذا التناقض في المواقف بين من يعلم ومن لا يعلم بالخط الساخن؟ وهل صحيح أن جزءًا أساسيًا من أعضاء المكتب السياسي لا يعرف بالخط الساخن؟ وإذا كان ذلك صحيحًا، هل يملك الجزء الذي لا يعلم القدرة على محاكمة السنوار، أم مجرد مواقف استهلاكية للتغطية على الفضيحة؟ وهل السنوار بات يملك القرار الفردي لتجاوز الهيئات القيادية لحركة حماس، أم أن القيادات تعلم وتحاول ان تغطي الشمس بغربال الفضيحة؟ وما هو الاجراء الذي يمكن ان تتخذه الحركة ضد رئيسها في القطاع؟ وهل حاولت قيادة حركة حماس مراجعة التصفيات والاعدامات التي نفذها يحيى السنوار ضد كوادر القسام الأساسية بعد سيطرته على مقاليد الأمور في محافظات القطاع؟  والسؤال قبل ذلك، هل الخط الساخن بين السنوار ونتنياهو جديد أم أنه موجود مع توليه مهمته في رئاسة الحركة، وسابق على وجود نتنياهو؟ وهل للخط الساخن صلة بالافراج عنه من السجون الاسرائيلية وتلميعه، بتعبير آخر؟ هل تم ربطه مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبل الخروج من المعتقل؟ وهل قامت قيادة الحركة بمراجعة تجربة السنوار وهو في السجن، ودققت في القرارات والانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها ضد العديد من أسرى حركة حماس؟ وهل فكرت بخلفيات ذلك واسبابها؟

أسئلة كبيرة ومهمة تطال فضيحة الخط الساخن بين السنوار ونتنياهو، وعلى قيادة الحركة ان كان فعلاً جزء أساسي منها لا يعرف بالفضيحة مساءلة ومحاكمة قائد انقلابهم في محافظات الجنوب، أولاً لدرء الاخطار عن الحركة، وثانيًا لتبييض صفحتها أمام الشارع الفلسطيني عمومًا وفي محافظات الجنوب خصوصًا؛ ثالثًا ولكشف المستور وخلفيات الاعدامات التي نفذها قائدهم في القطاع؛ رابعًا لتطهير الحركة من المتورطين بالعمالة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، إن كانت حركة "حماس" جادة ومعنية بصورتها كحركة مقاومة.

لا أريد أن اناقش الجعجعة وحملات التهويش الإعلامية للحركة وأنصارها والمضللين من أبناء شعبنا حول ملف التنسيق الأمني، وكنت أمل أن أسمع تلك الأصوات الوطنية ومواقفها ضد فضيحة وجريمة الخط الساخن بين السنوار والمجرم زعيم الليكود، ورئيس الحكومة الإسرائيلية لأطول فترة حكم في تاريخ الدولة المارقة والخارجة على القانون، ولكن صمتوا كأهل الكهف، وكأنهم لم يسمعوا، واغلقوا عيونهم وسدوا آذانهم، وضبضبوا انفسهم في زوايا غرفهم وبيوتهم، حتى لا يسألهم احد. وواصلوا الجعجعة عن "سيف القدس"، وهنا كما ذكرت الف مرة، ميزوا بين المناضلين الأبرياء الذين انضووا في صفوف حماس، وقدموا ارواحهم قربانا للوطن، ودفاعاً عن الأرض الفلسطينية وبين النخب القيادية المتورطة في التنسيق والخطوط الساخنة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية. 

المصدر: الحياة الجديدة