يمكننا إعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية، ما دامت الحرية هدفنا جميعاً ووضع قضية الأسرى في مقام كرامتنا وحقنا بلقمة عيشنا فتلبية نداء الحرية أهم بكثير من الخضوع لرغبات بطوننا، ومتطلبات رفاهيتنا، والكف عن استغلال القضايا الوطنية كمركبة نحو محطة (الأنا) ولنا في الأسرى منهج، فالأحرار في المعتقلات لا يتفلسفون، وإنما يسطرون تجربة الحرية ويصنعون لنا سبيلاً، إذا سرنا عليه فزنا.

إن إحياء نفس إنسان وتحقيق الحرية لإنسان لا تحتمل التنظير، فالحرية أقدس من النظريات والشعارات الحزبية، أما المتحجرون والجافة عقولهم فإنهم لا يؤمنون بقداسة الحرية، لكن الأسرى وأمهاتهم وآباءهم وأخواتهم وبناتهم وأبناءهم أكثرنا يقينا بقداسة الحرية.

تساوي اللحظة في زنزانة المحتل مبلغاً من الآلام لا يقدرها إلا الذي دفع الثمن فعلاً، فهذا الذي يصر على استكمال دور البطولة حتى من وراء القضبان، يضرب لنا مثلاً في الإرادة والكفاح والصبر والصمود بما يمكننا من كسر أعمدة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني.

 لا ينفع الكلام الرغبوي المسيس مع القضايا الوطنية، ولا مجال أمامنا إلا للتفكير بكيفية صنع مشهد وطني وحدوي حقيقي تلو الآخر حتى تحرير آخر أسير من معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، أما الانشغال بالتخريف وصف الكلام فإننا بذلك لن نحرر إنساناً ولا حتى شبراً من أرضنا.

نستقوي بقوة وصبر وإرادة الشعب وننتصر للإرادة الشعبية الفلسطينية، ونرغم نفوساً محبطة منكسرة على التراجع والانكفاء، أمام انبعاث وقيامة الحرية.. فلصبر الأسرى في معتقلات الاحتلال فضل عظيم في تعزيز موقفنا الوطني، لكن موقفنا الوطني الموحد يجب أن يلمسه الأسرى بما يضمن استمرار قدراتهم على الصبر والصمود واستشراف الأمل بالحرية، مهما بلغت سماكة جدران الزنانين، أو صلابة فولاذها فللحرية إشعاع خارق، لا تقدر جبال الأرض مجتمعة على صده، فللحرية حق إذا ما آمن به إنسان لا تقوى إمبراطورية قهر وظلم وعنصرية على استلابه.

لقد نجح منهج قيادة سيادة الرئيس محمود عباس السياسي الوطني، وناضل وما زال في المقدمة بميدان المستحيل، ويقينه أن الحرية والاستقلال حق، لن يقوى الظالم الإسرائيلي المحتل المستعمر على دفنه في ظلمات المستحيل، ولنا في مدرسته منهج إذا اتبعناه لا نضل سبيل الحرية والاستقلال.. فقيادتنا السياسية وتعمل باقتدار وفق منظومة القوانين الدولية، على وضع ملف الأسرى أمام محكمة الجنايات الدولية، والمنظمات الحقوقية كمجلس حقوق الإنسان، ووزراء خارجية الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، ومعظم دول العالم ذات التأثير المباشر على دولة الاحتلال، أو تلك التي يجب أن تعلم أكثر عن جرائم الاحتلال الممنهجة بحق الأسرى وانتهاكات سلطاته لحقوقهم.

لا يمكننا الشعور بهدوء وأمان، فيما نيران (محارق المعتقلات الإسرائيلية) تحول أجساد أخوتنا وأبنائنا إلى رماد على هيئة إنسان، فالمناضلون الفلسطينييون هناك يقتلون بأشكال عدة، منها الأمراض، وأساليب التعذيب النفسي، والحرمان من الحقوق، وأفظع ما يحدث هو التنكيل بكرامة الإنسان، وأساليب إكراهه على الكفر بالمبادئ الوطنية.

 نعتمد على كفالة وضمان القوانين والشرائع الدولية حقوق المناضلين من أجل الحرية، واقترابنا من تجسيد الدولة، يسهل الارتقاء بقضية الأسرى باعتبارها أحد ثوابتنا الوطنية، ونتمسك برهن حريتنا بحريتهم، كما رهنا مستقبل المنطقة والسلام في المنطقة بقيام دولة فلسطين الحرة المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، والإقرار بحقوق اللاجئين وعودتهم وفق القرارات الدولية.

علينا التذكر دائما أننا جميعاً بلا استثناء في معتقلات ومعازل كبيرة حتى لو كانت رحبة ومرفهة!!. وأننا جميعاً أسرى!.

أما إيماننا أن حريتنا التي هي البشرى الأعظم بالحرية للأسرى، فهذا يدفعنا لإشهار صومنا عن كل منتجات الاحتلال، تصعيد مقاومتنا الشعبية السلمية، حتى يتبين لنا فجر الحرية بعد إجماع القوى الوطنية والفعاليات الشعبية، على أن السلام والاستقرار والأمن مشروط بإطلاق حرية الأسرى، وهذا أبسط موقف يمكن أن يقدمه الأوفياء للمناضلين المقاتلين من أجل الحرية والتحرير والاستقلال.

 انطلقت حركة التحرير الوطنية الفلسطينية في الكفاح لهدف تحرير الأرض وحرية الإنسان الفلسطيني، وخاضت معارك غير مسبوقة لتحرير الأسرى، وشهد تاريخ الثورة الفلسطينية عمليات نوعية لتبادل وتحرير الأسرى، ما يعني تلازم النضال من أجل الحرية، وسيبقى علينا الإدراك حتى إشعار آخر بأننا جميعًا في معتقل كبير ما دامت مفاتيح أرض الوطن وحدودها وسمائها وبرها وبحرها ومواردها في يد سلطة الاحتلال.

 

المصدر: الحياة الجديدة