عندما يتم استغلال الحصانة وتوظيفها للتكسب الشخصي أو الفئوي فإنها ستتحول حتمًا ليس إلى (تجارة مشبوهة) ملوثة وحسب، بل لجريمة يعاقب عليها القانون، فالحصانة هي شهادة أمان وأمانة يمنحها الشعب –وفق نصوص قوانين محكمة- لممثليه في السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية، وأي انحراف بها يعتبر جريمة غدر بمصالح الشعب العليا، وعدوانًا مباشرًا على القيم. 
فالنائب بالنسبة لناخبيه خصوصًا والشعب عمومًا ضمير حي في هيئة إنسان رائد، مبدع، حكيم، عاقل، شجاع، مؤمن بالحوار، منطقي وموضوعي، مناضل ومقاتل تحت لواء الحق في صراع وجودي مع الباطل، ليس مطلوبًا منه أكثر من تثبيت مسار قطار الحق على السكة في الاتجاه السليم والصحيح والآمن.
للحصانة خطوط حمراء كما للحرية والآداب العامة، لا يحق للمحصن تجاوزها، فكيف إذا صدمها وهرسها بعجلات الأنا الحزبية، وغطى فعلته (الجريمة) بيافطات الديمقراطية والدستور والحريات؟!
تنتهي الحصانة عندما تمس المصالح العليا للشعب، وعندما يستميت (المحصن) لتبرير شيوع الجوع وتوسع قاعدة الفقر وانتشار المرض والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والفوضى السياسية، وحلول الأزمات الحادة في البلاد مكان الأمن والاستقرار والطمأنينة، واحتلال الخوف لمقعد الأمان، واستنبات الأحقاد والكراهية في نفوس الجمهور على حساب المحبة والإخاء، أما تبرير فقدان التوازن والانسجام بين السلطات الثلاث والتكامل بينها لضمان نظام سياسي مستقر عاكس لآمال وطموحات الشعب والتعلل بذرائع لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الاستحمار فيجب اعتباره جناية وعدوانًا على أصل القوانين والدساتير ومنبعها وروحها، اعتداء على الشعب الذي تنظم باسمه وتجسد إرادته.
منحت القوانين الحصانة لمهمة الشخص ومهنته، وليس لاسمه، لكنها تبقى متلازمة مع الاسم ما دام حافظًا لمتطلباتها وأخلاقياتها ومدركًا لخصوصيتها وطهارة معانيها، وتأدية العمل في فضائها بأحسن صور السلوك، فليس من الحصانة لجوء نائب أو صحفي مثلًا لاتهام أي مواطن بخيانة أو فساد أو بأي نوع من أنواع الجنح والجنايات دون اثباتات ودلائل حسية ملموسة موثقة، فالمحصن لا يملك سلطة الحكم على أي فرد من الشعب رئيسًا كان أو من عامته وما بينهما من رتب ومراتب، فهذه مهمة القضاء، وأي سلوك بهذا الاتجاه لا تفسير له سوى أنه عدوان مقصود على حدود وصلاحيات سلطة القضاء والعدل وتطبيق القانون.
لقد أقسم النائب وأقسم الصحفي، وأقسم القاضي وكذلك المحامي والطبيب والمعلم والضابط والجندي وكل فرد منا بشكل أو بآخر على الولاء للوطن وحمايته والتضحية في سبيله، وهذا القسم بحد ذاته ضابط وناظم لمعاني الحصانة، علاوة على كونه المرجع الضامن للمحصن بألا يقدم اي مصلحة على مبدأ الولاء والانتماء للوطن، لأنه بذلك كمن يفجر الجبهة الداخلية للوطن بعبوات الخيانة الناسفة.
الحصانة شرف مضاف إلى الحاصل على شرف تمثيل الشعب، ومهمة إيصال رسالة الحقائق للجماهير والحفاظ عليها يتطلب أعلى درجات الحكمة وإبقاء الضمير في حالة يقظة، لا تأخذه غفلة ولا رغبة ولا حتى نشوة، فالمرء بلا شرف كقطعة أرض بور لا ينبت فيها زرع وليس في جوفها إلا أسباب الفناء.