قرأت لأحد الصحفيين الفلسطينيين مقالاً يطالب فيه إدارة الرئيس الأميركي بايدن بنشر الديمقراطية في فلسطين، بصراحة أغاظتني هذه المطالبة، ليس لأنني ضد نشر الديمقراطية، وإنما لأن الصحافي أولًا اعتبر أن فلسطين دولة مستقلة، ويريد من واشنطن أن تفرض الديمقراطية فيها، ثم ألم يرى هذا الصحافي كيف نشرت الولايات المتحدة الديمقراطية في بعض دول المنطقة العربية، التي أصبحت غابة من المليشيات المسلحة، ومن ضمنها "داعش"، وتغول الفساد والفاسدين؟. كنت أود أن يطالب هذا الصحافي واشنطن بالضغط من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، في دولة ذات سيادة كباقي شعوب الأرض.

الديمقراطية مسألة يفرضها الشعب الفلسطيني بإرادته الحرة،  وليس عبر إملاءات وتدخل خارجي. ألم نرَ خراب تلك الدول العربية، وانتشار الفوضى فيها باسم الديمقراطية؟. ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو السير على خطين في آن معا، خط النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وخط بناء نظام سياسي ومؤسسات دولة على أسس ديمقراطية. ثم أي حديث عن ديمقراطية حقيقية في ظل الانقسام، وانفصال قطاع غزة عن الشرعية الوطنية هو حديث منفصل عن الواقع، بهذا المعنى نحن بحاجة لخط نضالي ثالث هدفه إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات تكرس مبدأ التداول السلمي للسلطة.
هناك وهم غذته أطراف خارجية وداخلية بأن واشنطن وغير واشنطن يمكن أن تكون أكثر حرصًا على مصالح الشعب الفلسطيني، وهؤلاء هم من زرع إسرائيل على أرضنا ولا يزالون يقدمون لها كل أشكال الدعم والتفوق، ويمنعون بكل السبل ويحرمون الفلسطينيين من الحرية والاستقلال. هؤلاء هم من يعزز فكرة الانقسام وتغييب الديمقراطية وليس نشرها في فلسطين.
في مواجهة هذا الوهم، هنالك حاجة لاستراتيجية وطنية جامعة، تشمل الجميع، تعمل على المستويات الثلاثة المذكورة من أجل إنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام وتعزيز الديمقراطية. هذه الاستراتيجية لا نحتاج أن يمليها علينا أحد إنها أمر من صلب حياتنا وواقعنا، ومن بديهيات نضالنا الوطني. كل ما نحتاجه أن تكف الأطراف الخارجية عن التدخل، بل والكف عن صب الزيت على نار الانقسام وزرع الفوضى والاقتتال الداخلي، ما يمنعنا  من تكريس كل الطاقات لمجابهة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن أجل الخروج من المأزق الراهن، أعتقد أننا مطالبون بتقديم مبادرة ومسودة مشروع وطني يفتح نقاشًا وطنيًا يشارك به الجميع بحرية تامة ومن ثم يتم التوافق عليه وعلى ما يمكن أن يقترح من تعديلات لتصبح خطة للعمل الوطني تسير على ثلاثة أرجل، المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وإنهاء الانقسام وتعزيز الديمقراطية.
لم أرَ حالة فلسطينية فيها مثل هذه الكراهية الداخلية، وتعميم استخدام لغة التخوين والتكفير والتحريض على بعضنا البعض كما نحن اليوم. لذلك علينا أن نخرج فورا من المأزق الراهن وتخفيف الاحتقان  واستبداله بحوار وطني شامل، إلى طاولة حوار مسؤولة، وليس بهدف أن تكون ميدانًا آخر للمناكفات. ما هو مطلوب أن يرى كل طرف المعادلة بعينين اثنتين ولا يكتفي كل طرف برؤية النصف الفارغ من كأس الآخر، فالشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني مستهدف من العدو الصهيوني.