في قمة بيروت، نهاية آذار/مارس العام 2002 طرحت السعودية مبادرة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، أساسها مبدأ الأرض مقابل السلام، أي أن تنهي إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، مقابل السلام الكامل، هذه المبادرة السعودية تحولت إلى مبادرة عربية بعد أن تبنتها القمة بالإجماع ومن دون أي تحفظ من أي دولة في حينه.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه المبادرة جزءًا أساسيًا في كافة المبادرات، وقرارات الأمم المتحدة، إلا أن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك أريئل شارون رفض المبادرة وباشر على الفور بعدوان عسكري شامل على الشعب الفلسطيني وأعاد احتلال الضفة في إطار  عملية "السور الواقي".

بعد ذلك، وخصوصًا بعد احتلال الولايات المتحدة الأميركية العراق في ربيع العام 2003، بدأ التمدد الإيراني، ومع ثورات الربيع العربي وتفكك دول عربية تم في سياقة تآكل وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، هذا الفراغ الذي تركه العرب، قامت إيران بملئه، إلى أن انتهينا بمحور المقاومة. وخلال ذلك كانت إيران لا تخفي افتخارها بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية، وأصبحت هي المستخدم الأكبر للقضية الفلسطينية وشريكة في القرار المتعلق بها، وقرار الحرب والسلم فيها وفي المنطقة، وتحولت القضية الفلسطينية إلى ورقة ضغط بيد طهران  تقايض بها واشنطن في إطار صفقاتهما المتبادلة ومن ضمنها الملف النووي، وأداة لتمددها في المنطقة.

الموقف القوي الذي صرح به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي حسم خلاله كل التأويلات المتعلقة بالموقف السعودي من التطبيع مع إسرائيل، حيث قال ولي العهد بشكل واضح إن السعودية لن تقيم علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، أي أن الرياض تتمسك بالمبادرة العربية دون أي تغيير في جوهرها. صحيح أن ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان، هو الموقف التقليدي للسعودية، والمعروف لدى الشعب الفلسطيني وقيادته منذ عقود، وصحيح أن التصريح أزاح عن الطاولة كل حملات التضليل، الإسرائيلية منها والإقليمية بخصوص الموقف السعودي من القضية الفلسطينية، ولكن توقيت التصريح وقوته ووضوحه، هو الأهم، وهو مؤشر أن السعودية تستعد لأخذ زمام المبادرة بالنسبة للقضية الفلسطينية وفي المنطقة وإعادة فلسطين إلى كونها قضية عربية وأن العرب هم أولى من أي طرف إقليمي آخر في حمل رأيتها وتحقيق تضامن عربي حولها والبدء بهجوم سياسي ودبلوماسي من أجل تحقيق ما أعلنه ولي العهد السعودي.

الرياض تشعر أن هناك فرصة على وقع المتغيرات التي تجري في المنطقة خصوصًا أن هناك شعورًا أن طهران تنتقل إلى موقع دفاعي، وأن محور المقاومة وبعد مضي عام على حرب الابادة الإسرائيلية في قطاع غزة لم يستطع لا نجدة غزة ومساعدتها، بل أنها ومحورها هم من يحتاجون إلى عون. فالجديد هو التوقيت، فبعد عقدين من هيمنة طهران واستحواذها على ورقة القضية الفلسطينية وقرار المنطقة، والجديد هو المحاولة للاستفادة من اللحظة التاريخية، والقول لطهران أن العرب أولى بالقضية الفلسطينية، والقول لإسرائيل بشكل واضح أن استخدامكم للقوة المفرطة لن يغير المعادلة وأن مبدأ السلام مقابل الأرض لا يزال هو المبدأ المعمول به في عملية سلام شاملة.

الارتياح الفلسطيني من الموقف السعودي، الذي أعلنه الأمير محمد بن سلمان نابع من هذا الموقف فيه نفس قوي وإرادة قوية لاستعادة المبادرة في المنطقة وإعطاء زخم من أجل نهوض الأمة العربية، التي تآكل دورها في العقدين الأخيرين بطريقة غير مسبوقة.

هناك فراغ جديد ينشأ في المنطقة، وهناك حاجة لمن يملأه، العرب لديهم فرصة وهم اولى من غيرهم، وإلا سنعود جميعنا للدوامة نفسها، وإلى إنكفاء عربي أمام القوى الإقليمية. مصدر الارتياح الفلسطيني، وإرتياح القيادة الفلسطينية، هو  انه في هذه اللحظة حالكة الظلمة، أم تأتي بقعة ضوء من شقيق عربي، وأن تمنح الشعب الفلسطيني الأمل، وأن تعيد للأمة العربية روحها التضامنية، وأن يتوقف تمدد الآخرين في جسدها الجغرافي والسياسي.

الأمل الذي يعلقه الشعب الفلسطيني على تصريحات ولي العهد السعودي كبيرة لكنها آمال واقعية، فالفلسطينيون لا يطلبون من أشقائهم العرب سوى أن تعود لهم روحهم وتضامنهم، والأمل أن يتحول الموقف السعودي الشجاع والقوي إلى رافعة يأخذ العرب من خلالها زمان المبادرة في المنطقة والتوجه نحو المستقبل، هذا بالضبط ما يريده الشعب الفلسطيني وأن يلمسه ويتحول إلى سياسة عربية، عندها يمكن نحل معظم مشاكلنا.