عاود المؤرخ الإسرائيلي المعروف شلومو ساند، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة، التأكيد على أن اليهود لم يكونوا شعبا في يوم من الأيام، وأن غالبيتهم لم يتمنوا، حتى وقوع المحرقة، أي نوع من السيادة على ما يسمى "أرض إسرائيل".
وفند ساند، مجددا، المزاعم الصهيونية التي تدعي وجود استمرارية جينية بين العبرانيين القدماء ويهود العصر الحديث، مشيرا إلى أن القومية اليهودية التي أسستها الحركة الصهيونية هي قومية مصطنعة وتفتقر لأي جذور تاريخية، أو كما أسماها "قومية من نسل القطط".
وكان ساند يرد على ادعاءات بروفيسور حاييم غانتز، أستاذ القانون في جامعة تل أبيب، الذي حاول من خلال مقال مطول نشر في الصحيفة نفسها، الأسبوع الماضي، إسباغ الشرعية على الغزوة الكولونيالية الصهيونية وتبرير استعمارها لفلسطين وطرد شعبها.
وسلك غانتز الطريق الوسط، بين من يبررون الصهيونية بوجود شعب يهودي يمتلك الحق على ما يسمى "أرض إسرائيل"، وبين من ينفي وجود شعب يهودي. وهذا "الحق" هو مبرر الفعل الصهيوني بأمرين. الأول وجود "هيكل" أو "قالب شعب يهودي" تربطه نوع من العلاقة التاريخية بـ"أرض إسرائيل"؛ والأمر الثاني هو وقوع المحرقة التي خلقت حالة اضطرارية، على حد زعمه، لإيجاد حل لمشكلة اليهود في أوروبا، وهي حالة شبهها بحالة الجريح الذي يقتحم الصيدلية للحصول على الدواء.
ويسعى غانتز، الذي اجتهد من أجل إيجاد تلك المبررات، إلى نقل الصهيونية من "صهيونية موبوءة بداء الكلب إلى صهيونية تؤمن بالمساواة"، كما جاء في عنوان مقاله الذي اعتمد فيه على المساواة في الحق على الأرض بين الفلسطينيين والصهيونية المستندة إلى تلك التبريرات، والتي تختلف بسببها عن المجتمعات الكولونيالية الأخرى التي اكتسبت حق تقرير المصير على الأرض التي استعمرتها، بحكم الأمر الواقع وتقادم الزمن، كما هو حال أميركا وكندا وأستراليا وغيرها.
وفي رده، يسخر ساند من مصطلح "هيكل" أو "قالب شعب" الذي استخدمه غانتز، ويؤكد أنه لا يؤمن بوجود شعوب قبل العصر الحديث، حتى لو استُخدمت مصطلحات مثل "شعب" أو "أمة" في الأدبيات القديمة، لأن هذه الجماعات لم تتعدَ كونها حمائل وقبائل أو ممالك وإمارات وجماعات دينية وأشكال أخرى من العلاقات السياسية والاجتماعية، التي لم ترتق بحكم المستوى البدائي للتطور إلى درجة شعب.
ويدحض ساند أي ادعاء حول شعور اليهود بالسيادة على "أرض إسرائيل"، ويشير إلى أنه حتى الحرب العالمية الثانية كان غالبية يهود أوروبا الشرقية والغربية، على كافة تياراتهم مُعادين للصهيونية ولم يحلموا بإقامة دولة في الشرق الأوسط، في حين هرعوا بجماهيرهم إلى القارة الأميركية، حيث هاجر من سنة 1882 وحتى 1924 مليوني ونصف المليون يهودي إلى أميركا.
وحول استعمال المحرقة كتبرير، يقول ساند إن الصهيونية لم تستطع إنقاذ اليهود وأن أوروبا التي شاركت في صنع المحرقة، كان من الأسهل لها قذف ما تبقى من اليهود خارجها لتتسبب بـ"كارثة" أخرى لآخرين لم يكن لهم أي علاقة بمحرقة اليهود.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها