ما زلتُ في دهشة اللقاءات، وما زالت الحوارات تتردد أصداؤها في سمعي، إذن هي لم تتحول بعد الى ذاكرة، ما دامت حالة الأفوريا أو النشوة تتمكن من مشاعري. لا تستطيع الذهاب إلى الوطن، فيمشي الوطن اليك. أصدقاء كثر من كتاب ومبدعين ومثقفين، يأتون إليك حاملين عبق الوطن وروائحه. ثم يحملون باقات حبك وحنينك الى الوطن، ويعيدون حكايا الراحلين إلى أرض الحكايات، فنحن ورثة تلك الأرض.

المجلس الملّي الأرثوذكسي/ نادي حيفا الثقافي، يحمل عشقك إلى الوطن، صوتًا وصورة. ويبادلك شعبك الحب والشوق، عبر الكلمات والصورة. الصديق القديم ابن الأسوار، يعقوب حجازي وزوجته حنان. تعود معرفتي بهما لسنوات طويلة، يوم وصلهما عشقي لعكا ولسورها. فقام بإصدار طبعة ثانية لروايتي. وقاما بتوزيع نسخ هدايا لكل بيت عكاوي صامد في أقدم المدن الجميلة، وعلى أثرها توالت ردّات الفعل من أحبتي هناك، عبر الرسائل. إحدى الرسائل قالت لي: شكرًا لأنك لوّنت أحاديثنا بألوان وردية. فالكل يتحزر، من هي آخر طفلة ولدت لأبي زهير. ورسالة همست لي: نحبك بقدر حبك لعكا ولنا وأكثر. ورسائل حملت لي حجارة صغيرة جميلة الشكل واللون، أو أصدافا غريبة الشكل من بحر عكا. 

في مداخلته عن الرواية في نادي حيفا، أعاد يعقوب حجازي تجديد العهد على علاقة أبدية بين المدينة وعشاقها الراحلين، بكلمات دافئة، تذيب صقيع المنافي. 

قراءة جادة لروايتي، قدمها الدكتور صفا فرحات. مستعرضا الأحداث التي تطرقت لها الرواية، في تعدد أزمانها. ومفارقات الأحداث فيها، والتناقضات التي سادت تلك المرحلة، بالاتكاء على النقد الذاتي. قراءة شيقة وجادة، من ناقد وأكاديمي مبدع.

مداخلة جميلة من المحامي علي رافع، عرض فيها للأسلوب والإهداء الى ذاكرة الشعب الفلسطيني. والفنانة العكية سامية بكري، تحدثت عن بداية تعارفنا.

الكاتبة خلود فوراني، كان حديثها عن عكا المكان الذي سكننا ولم نسكنه. "عكا تعويذة تسكن قلبها/ إنهم يقيمون في الذاكرة أكثر مما يقيمون في المنفى".

الدكتور الأكاديمي أليف فرانش. تناول موضوع "تراتيل عشق"، من حيث المضمون، وهو الذاكرة وعشق الوطن. وكيف تحولت ذاكرة الفلسطيني الى فعل مواز للهوية. قراءة شيقة توقفت عند العديد من نصوص الكتاب. وقد استوقفني في تحليله "... ليس خوفا على الذاكرة من أن تضيع، بل خوفا على الفلسطيني نفسه، أن يضيع بدون ذاكرة".

 في نهاية قراءته، توقف الدكتور أليف فرانش عند تصنيف كتاب تراتيل عشق، الى أي جنس أدبي ينتمي. وكذلك العنوان. فالكتاب عبارة عن قصة في مقالة، أو مقالة في قصة. وهذه قصة هذا الإتجاه في الكتابة.

 في النرويج، شاركت في مشروع أدبي، مع شاعر وكاتب نرويجيين. عبارة عن قراءة أدبية، لنص أو قصيدة، نكتبها باللغة النرويجية، مع تحديد لوقت القراءة، ومدى تشويقها، وذلك تشجيعا لكتاب غير نرويجيين. وبدأت هذا المشروع بسرد حكاية أتوجه فيها لمستمعين. عالجت فيها موضوعات مختلفة، من مشاكل المهاجرين، والإندماج، ثم قرأت نصوصا من روايتي، كنت قد ترجمتها، فلاقت استحسانا وتقبلا من أدباء نرويجيين، ومثقفين يتابعون تلك الجلسات الأدبية. ومن أكثر المقاطع التي تأثر بها العديد من الكتاب، ما ترجمته عن عكا في رواية "أجفان عكا".. وهكذا مضيت في هذا النوع من الأدب أو الكتابة.

 وبعد تكليفي بكتابة تغريدة صباحية، قررت نقل تلك التجربة، وهكذا كان.. ثم قمت بجمع بعض تلك التغريدات الصباحية المنشورة في صحيفة الحياة الجديدة، جمعتها في كتابي تراتيل عشق. شجعني في ذلك، هو تعلقي بشخصيات قصصي، بسبب عشقهم الأسطوري لوطنهم، ثم رحيلهم عن الدنيا، وحسرات العودة غصة في حلوقهم. ورأيت أن لكل واحد طريقته في التعبير عن ذلك العشق، يعبر عنه برومانسية، تقارب التراتيل، وأن كل حكاية تستحق أن أفرد لها نصا خاصا بها، ينقل أجواءها. 

لكل الذين ساهموا في التكريم، والصديق فؤاد نقارة، الذي وصلني بالعديد من كتاب شعبنا في الداخل.. تحية وسلاما.