لم تفاجئ القمة العربية في دورتها ال33 في المنامة (16 مايو 2024) مواطنًا عربيًا من أي مستوى، فجاءت مخرجاتها منسجمة مع واقع أهل النظام الرسمي العربي، وتكريسًا لواقع التبعية للولايات المتحدة والغرب الرأسمالي وربيبتهم إسرائيل النازية، الذين يقودون دفة حرب الإبادة على الشعب العربي الفلسطيني منذ أكثر من 7 شهور خلت، وعلى مدار 225 يومًا ذبح فيها الشعب الفلسطيني الشقيق من الوريد إلى الوريد، واستبيحت دم الأطفال والنساء والشيوخ والعزل عمومًا، كما لم يحدث في تاريخ سابق، وإن حدث مذابح شبيهة، فهي الاستثناء في تاريخ حروب الإبادة. 
بيان قمة العرب خرج باهتًا، وهابطًا، ولا يليق بمكانتكم كأشقاء، ومسؤولين عن الجزء الأعظم من مأساة فلسطين وشعبها، وان لم تكونوا مشاركين مباشرة فيما مضى من نكبات على ارض الرباط والاسراء والمعراج ووطن السيد المسيح عليه السلام، فأنكم اليوم ومع دخول الشهر ال8 لحرب الإبادة الجماعية تكرسون ما ارتكبه اسلافكم من خطايا في حق الشعب العربي الفلسطيني وقضيته المركزية، الذي دفع ومازال يدفع ثمنًا من لحمه الحي، ومن أرض وطنه الأم فلسطين دفاعًا عن شرف ومكانة وكرامة الامة العربية. 
شخصيًا أطعمت نفسي جوزًا فارغًا لبعض الوقت، عندما تأملت وراهنت على تمثلكم لمسؤولياتكم تجاه الكارثة، وعمليات القتل والإبادة والتجويع والامراض والدمار والحصار لكل معالم الحياة في فلسطين عموما وفي قطاع غزة خصوصًا. لكنكم أبيتم الا ان تراوحوا في ذات المكان، الذي ترزحون به، ولم تفكروا للحظة بالخروج من متاهة التبعية للغرب الامبريالي بقيادة اميركا، وتعيدوا الاعتبار لذاتكم ومكانتكم ولتاريخ العرب المجيد في الحقب والازمان الغابرة.

 
تأكدوا أننا في فلسطين المحتلة، لا نريد منكم حشد جيوشكم، وسن بنادقكم، وشن حربًا على إسرائيل او الولايات المتحدة، كل ما أردناه أن ترتقوا إلى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية، وتحسوا بآلام وجراح ومصائب اخوتكم في فلسطين، وتفرضوا بما تملكون من أوراق القوة حرب الإبادة الجماعية، وأن تعيدوا النظر بعلاقاتكم مع إسرائيل وواشنطن لتفرضوا عليهم ادخال المساعدات والانسحاب الفوري من قطاع غزة، ووقف التهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين من القطاع والضفة على حد سواء، والذهاب للمؤتمر الدولي للسلام وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وتدعموا موازنة دولة فلسطين لتقوم ببعض واجباتها تجاه الدفاع عن مصالح الشعب وأهدافه الوطنية، وتحمي ما تبقى من ركائز النظام السياسي الضعيف والهش، لا سيما وان دولة النازية الصهيونية تمارس القرصنة على أموال الشعب الفلسطيني، وتنتهك ابسط معايير ومبادئ الاتفاقات الموقعة في أوسلو برتوكول باريس، والقوانين الدولية عمومًا.

ولكنكم للتهرب من التزاماتكم، التي صادقتم عليها في مؤتمرات القمم العربية السابقة بتأمين شبكة الأمان المالية لموازنة السلطة الوطنية، تحاولون استمراء الثرثرات اللا مسؤولة عن الفساد المالي في أوساط النخب السياسية الفلسطينية، وتعلقون على شماعتة عدم التزامكم، وتهربكم الأخلاقي والسياسي والاقتصادي المالي تجاه أشقاء الدم والمصير العربي المشترك بذريعة مبالغ فيها. نعم هناك أخطاء ومظاهر سلبية في أوساط الشعب الفلسطيني والنظام السياسي، ولكن اسألكم إذا ما قارنتم ظاهرة الفساد في فلسطين بالفساد في انظمتكم من الفكم الى يائكم، أي الأكثر فسادا وهدرا للمال الوطني والعربي العام؟ ام انكم لتغطوا عورات عدم التزامكم، وانصياعكم لأوامر واشنطن وتل ابيب تلقون في وجوهنا بضاعتكم الباهتة والمشوهة؟ وأين استقلالكم وسيادتكم على اموالكم وبلادكم، أم هي حبر على ورق، ورهينة سادة البيت الأبيض؟ اليس هذا قمة الانحراف والفساد السياسي وغير السياسي؟ 


لن أتأسف على مكاشفتكم بواقعكم غير الإيجابي، والذي يمس بهيبتكم ومصداقيتكم وبعلاقات الأخوة. لأن الواجب كان يفرض أن أصارحكم القول، وأضع الإصبع على بعض الجروح، وأذكركم بأن الواقع الراهن لأمة العرب بلغ منحدر خطير بسبب السياسات العرجاء التي تنتهجونها وتمارسونها. وتذكروا أن الولايات المتحدة آيلة للسقوط والتفكك ولو بعد حين، وإسرائيل النازية ولدت ميته، ولن تدوم، لأنها ترفض التعايش والسلام وتستبيح القانون الدولي. وبالتالي الأجدر بكم مراجعة سياساتكم وخياراتكم تجاه شعوبكم أولاً، وأشقاءكم في فلسطين ثانيًا، ومستقبل أنظمتكم ثالثًا. 
من المؤكد أن قمة المنامة كشفت عن سقوطكم في الاختبار، وأماطت اللثام عن عدم ارتقاءكم لمستوى المسؤولية وخذلان اشقاءكم في فلسطين، وليس للفلسطينيين إلا شعوب إفريقيا وفي مقدمتها جنوب إفريقيا وأميركا اللاتينية وأنصار السلام في العالم والرهان على ذاتهم. وبقدر ما يخلط الفلسطينيون قواعد اللعبة في الإقليم، بقدر ما يدافعون عن أنفسهم ومستقبلهم ومشروعهم الوطني.