القرار المستقل لدى أي شعب في الدنيا، والانتماء الوطني الخالص النقي كجوهرة الماس، وجهان  لجاذبية لا بد منها لحفظ وجوده وتوازنه، وإبراز هويته الوطنية، وإظهار السمات الحضارية والإبداع بتجسيدها، والقاعدة الحصينة لنظامه السياسي، وعلى الرواية الوطنية ترفع أعمدة الدولة، وتُصَاغ برامجها السياسية، وتنظم خططها، وتضبط سلوك وأفعال مواطنيها، سواء في قاعدة الهرم أو في قمته.

لم يوفر رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس أبو مازن مناسبة وطنية، أو عربية، أو دولية، إلا وأكد تلازم الحقائق والوقائع التاريخية، والأبعاد الحضارية والثقافية للرواية الفلسطينية، مع تركيز الضوء على الكذبة الاستعمارية الصهيونية وادعاء أصحابها أن "فلسطين أرض بلا شعب"! ويحرص دائما على التوجيه والعمل فعلا على توفير الإمكانيات اللازمة لكتابة تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية، وفق منهج علمي خالص، يعتمده مؤرخون وطنيون، يؤمنون باستقلالية القرار الوطني، ووحدانية الرواية الفلسطينية المتعلقة بفلسطين وشعبها، وقادرون على تطهير وقائع تاريخية مما شابها من إسقاطات شخصية، أو فئوية، وتشويه متعمد، ومن تواريخ ومصطلحات وتفسيرات وتأويلات، لم تعكس حقيقة المعاني وحسب، بل باتت مادة للاستخدام ضد الرواية الوطنية الفلسطينية، فخلص إلى نتيجة أن مبدأ الاستقلال في كتابة تاريخ فلسطين، وتقديم ونشر الرواية الفلسطينية بالحقائق والوثائق الدامغة غير القابلة للنقض والتفنيد، السبيل الصحيح لتجسيد استقلالية القرار الوطني السياسي، والعكس صحيح أي ان القرار الوطني السياسي المستقل يرتكز على حقائق تاريخية لا يمكن نكرانها.. ونسمع من الرئيس دائما:

"لن نسمح بتكرار نكبة سنة 1948 مهما كانت الظروف ومهما غلت التضحيات" فهذه النكبة حدثت بالتزامن مع مؤامرة لمنع بلورة قيادة وطنية للشعب الفلسطيني، تمتلك استقلالية القرار، لكن ذلك لم يمنع انخراط جماهير الشعب في مقاومة الغزاة والمحتلين والتنظيمات الصهيونية الإرهابية المسلحة، وقوات جيش "إسرائيل" المزودة بأحدث الأسلحة آنذاك، فنكبة سنة 1948 كما جاء تعريفها في قرار رئيس الدولة بقانون رقم 17 لسنة 2023، وفي المادة (2) بعد تأكيد معاني المصطلحات الواردة في القانون: تعتبر:

1- جريمة لا تسقط بالتقادم، ومتواصلة باستمرار الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري العنصري والعدوان على الشعب العربي الفلسطيني، وإنكار حقوقه المشروعة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير

2-  جزءًا لا يتجزأ من الرواية الوطنية الفلسطينية المستندة إلى الحق التاريخي وقرارات الشرعية الدولية المتعاقبة". وبذلك عقد هذا القانون الثقافي بما فيه (الرواية) مع السياسي، حيث نقرأ في مقدمته تعريفًا شاملاً للنكبة نصًا: "هي الجريمة والمأساة والكارثة الإنسانية، التي ولدت في سياق مخطط استعماري بدأ من وعد بلفور عام 1917م، والتي شملت الهجرة اليهودية المخطط لها إلى فلسطين، وجرائم القتل والاقتلاع والطرد، والتطهير العرقي، والتهجير القسري التي قامت بها العصابات الصهيونية والمتواطئون معها منذ 1947م ضد الشعب العربي الفلسطيني وعلى أرضه، الذي أسفر عنه تهجير ما يقارب مليون عربي فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين من خلال عدوان واسع النطاق، ارتكبت خلاله عشرات المجازر، بما في ذلك تدمير المدن والقرى ومعالم المجتمع الفلسطيني بمختلف مكوناته الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بهدف محو هويته العربية والسطو على ممتلكاته وروايته وإرثه الحضاري.

وبذلك نستخلص أن أم النكبات: هي العمل لصالح أجندات دول وقوى خارجية، أو الخضوع لضغوط وإرهاب دول استعمارية، لأن التبعية واحتقار الانتماء الوطني، جريمة خيانة للرواية  الوطنية الفلسطينية وتآمر على مصداقيتها/ ومحاولة لإشراك روايات أخرى فيها، وهذا كفر صريح بقداسة الوطن "فلسطين وروايتها".