الشعب الفلسطيني يرتبط بعلاقات عميقة وراسخة مع كل الأشقاء العرب من المحيط إلى الخليج، ويحرص الفلسطينيون قيادة وأحزابًا وفصائل ونخبًا على تجذير وحماية هذه العلاقات، إدراكًا منهم لأهمية البعد الاستراتيجي للحاضنة القومية العربية، وحرصًا منهم على ديمومة وتطور هذه العلاقات، رغم إدراك الجميع بوجود تباينات، وأحيانًا تناقضات مع العديد من الأنظمة السياسية، إلا أن الثابت في الرؤية السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية تعزيز العروة الوثقى مع كل الشعوب العربية دون استثناء.

لكن في العلاقات البينية بين الشعب الفلسطيني وأشقائه العرب توجد روابط ذات مستويات متباينة نسبيا بحكم عوامل الجغرافيا والتداخل الديمغرافي والمركبات السياسية للأنظمة الشقيقة المختلفة، فمثلا دول الطوق العربية على تماس أقوى مع الواقع الفلسطيني، وفيما بينها أيضًا تمايز نسبي موضوعيًا بحكم التداخل الأسري والاجتماعي عمومًا، يحتل الأردن الشقيق مكانة أولى، ليس لأن نسبة اللاجئين الفلسطينيين هي الأعلى في المملكة الأردنية الهاشمية، ولا لأن الأردن ضم الضفة الفلسطينية بعد نكبة عام 1948، التي ضاعفت من الروابط الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإنما لكل ذلك، وللروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين.

ولهذا ما يجري في ضفة الأردن الشرقية يمس مباشرة المصالح الحيوية الفلسطينية، والعكس صحيح. كما أن العلاقة بين القيادتين السياسيتين في العقود الأربعة الأخيرة تعمقت وتوسعت، وتسير بخط لولبي صاعد بما يخدم مصالح الشعبين والقيادتين والأهداف المشتركة. وعليه كانت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس أول من أعلن عن وقوفها قبل يومين إلى جانب قيادة المملكة الأردنية عمومًا وجلالة الملك عبد الله الثاني خصوصًا، وضد أي مساس بأمن وسلامة وسيادة الأردن الشقيق، ودون أي تردد في ضوء التطورات الأخيرة. لإدراك قيادة منظمة التحرير أهمية دور ومكانة التوأم الشقيق، ولما للتداخل العميق بين البلدين والشعبين والقيادتين من انعكاس مباشر على الوضع الفلسطيني الداخلي، وأثر ذلك على مواجهة التحديات الإسرائيلية.

كما أن ما حصل في الأيام الماضية حسب كل المعطيات الراشحة من وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الأردنية له عميق الصلة بصفقة القرن الأميركية، التي ما زالت ذيولها حتى اللحظة جاثمة في المشهد الفلسطيني الإسرائيلي. لا سيما وأن صفقة العار قبل أن تكون ترامبية، هي بالأساس صهيونية، أعدها فريق ترامب الصهيوني كوشنير وغرينبلات وفريدمان بالتوافق والتكامل مع نتنياهو الفاسد، رئيس حكومة اليمين المتطرف. أضف إلى أن المملكة الأردنية تقوم بدور الوصاية على الأماكن المقدسة في العاصمة الفلسطينية الأبدية عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا. وبالتالي ما جرى ليس منفصلًا عن الشأن الفلسطيني الوطني، إنما هو في صميم المصالح الوطنية.

ولا أضيف جديدًا بالتأكيد على أن الدول، التي وقفت خلف محاولة الانقلاب على العرش الأردني والنظام السياسي عمومًا وفي مقدمتها دولة المشروع الصهيوني، كما أعلن وزير الخارجية الأردني تستهدف تمرير صفقة العار، ووضع اليد على الأماكن الدينية عمومًا والمسجد الأقصى تحديدًا من خلال الإتيان بأنصارهم ومن يتساوق معهم.

إذًا وقوف فلسطين مع المملكة شعبا وحكومة وملكًا نابع من الإدراك العميق لمكانة الأردن التوأم، ودفاعًا عن المصالح الوطنية الفلسطينية وتعميقا للروابط الأخوية المشتركة بين الشعبين والقيادتين، وليس مِنةً، ولا مداهنة، ولا مجاملة، ولا لحسابات نفعية خاصة، إنما للحسابات الوطنية والقومية المشتركة بين التوأمين الفلسطيني الأردني. لا سيما وأن الأردن يمثل إحدى رئتي فلسطين (مصر والأردن)، التي لا يمكن التفريط بها، أو غض النظر عما يصيبه، أو يمسه من ضرر وسوء.

وستبقى القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن وكل أركان القيادة والقوى السياسية بمشاربها وتوجهاتها وخلفياتها المختلفة مع الأردن الشقيق، ولن تحيد قيد أنملة عن ثوابتها في العلاقة المشتركة مع الأسرة الهاشمية والنظام السياسي الشقيق؛ لأن سلامة الأردن، تعني بشكل مباشر سلامة فلسطين بمعايير اللحظة الراهنة والمستقبل، الذي نطمح لتحقيقه باستقلال دولة فلسطين وترسيخ سيادتها على حدودها الكاملة المحددة بحدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.