في الظروف الطبيعية تبدو المملكة الأردنية الهاشمية إحدى الدول العربية والشرق أوسطية الصغيرة، ولكن وما أن تحدث هزة صغيرة في هذا البلد، كالتي حصلت قبل أيام، حتى يدرك المرء أهمية هذا البلد الصغير لأمن واستقرار المنطقة، ويلاحظ أن ردات الفعل الإقليمية والدولية السريعة، وبهذا الحجم لم تكن صدفة وإنما جاءت لتؤكد أهمية استقرار الأردن بالنسبة للشرق الأوسط المضطرب. ويتساءل المرء كيف لبلد صغير شحيح الموارد أن يكون بهذه الأهمية وهذه المكانة؟

من دون شك أن هناك عدة عوامل أدت لأن يكون الأردن بهذه الأهمية، في مقدمتها الموقع الجيوسياسي للمملكة، فهي تقع في وسط خريطة الوطن العربي والشرق الأوسط، والأردن هو صاحب الحدود الأطول مع إسرائيل المشروع الأهم للاستعمار العالمي، والأردن يتوسط دول متنافسة على النفوذ في المنطقة تاريخيا، مثل العراق، سوريا ومصر في مراحل سابقة، واليوم إيران وإسرائيل وتركيا، ويبدو أن الأردن المربع الوحيد، الذي وإن تنازع عليه المتصارعون فإنهم وفي الوقت نفسه تكون لهم حاجة جيوسياسية لاستقراره بهدف منع الاشتباكات المباشرة.

ومن دون شك أن الأسرة الهاشمية، في حكمها قد أعطت للأردن بعدًا آخر من الأهمية، وكانت ولا تزال حجر الأساس في وحدة الأردن الوطنية. ومن دون شك أن الملك المغفور له الحسين بن طلال، هو خير من أدرك هذه الأهمية الاستراتيجية للأردن واستطاع بذكاء استخدامها إلى أقصى الحدود، ووظفها لجعل الأردن دولة محورية، وعنصرًا مهما في الشرق الأوسط. الملك عبد الله الثاني واصل السياسة ذاتها، ولكن ومن أجل توخي الموضوعية، فإن الملك عبد الله الثاني قد تولى الحكم في ذروة المتغيرات الكبرى إقليميًا ودوليًا، بالإضافة إلى المتغيرات الداخلية، وكانت جميعها أقوى من أن تواجه.

داخليًا، التضخم السكاني السريع، والمتسارع، الناجم عن موجات اللاجئين من الدول التي تجتاحها التوترات، تضاعف عدد السكان عدة مرات مع بقاء الموارد الشحيحة على حالها، أما من الخارج فإن المتغير الأخطر هو التطبيع الذي جرى مؤخرًا بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، هذا التحول نقل إسرائيل من دولة عدو إلى دولة حليفة وجزء من النظام الإقليمي الجديد، مع هذا المتغير بالتأكيد سيكون هناك قواعد لعب جديدة، تختلف عما كان سائدا في المنطقة حتى الآن.

الهزة الأخيرة، فتحت الأعين والتساؤلات مجددًا عن مكانة الأردن، الإقليمية وتبين أن هذا البلد الصغير، سيبقى أحد أهم ركائز الاستقرار في المنطقة. بالرغم من كل هذه المتغيرات، والسبب أن الظروف لم تحسم بعد في الشرق الأوسط لمصلحة أي من المسارات، خصوصًا مع الإدارة الأميركية الجديدة، والتي لديها أولويات أهم خارج المنطقة، فالشرق الأوسط هو في حالة انتظار، وما دام كذلك يبقى استقرار الأردن مهما.

 وبالنسبة لنا نحن الشعب الفلسطيني، فإن الحرص على أمن واستقرار الأردن ليس من باب المجاملات الدبلوماسية، وإنما هو مصلحة حيوية واستراتيجية؛ لأن هذا الاستقرار يمنع ويصد أي حديث عن مخطط اليمين الإسرائيلي حول الوطن البديل، كما أن استقرار الأردن له تأثير إيجابي مباشر على قضية القدس ومبدأ حل الدولتين. والأردن بالنسبة لفلسطين هو أقرب الأشقاء والرئة التي نتنفس منها. وأن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني ترتبط تمامًا ببقاء الأردن آمنا مستقرا.

ومن لا يستطيع إدراك أهمية الأردن ومكانته، عليه أن يتخيل واقع المنطقة كيف سيكون إذًا ما تضرر هذا البلد بشكل جوهري لا سمح الله، من هنا وفي ذروة الهزة الأخيرة جاءت كل ردات الفعل الإقليمية والدولية حرصًا على أمن الأردن. فهذا الأمن مهم لجميع الأطراف على هذا النحو أو ذاك.