متى سنرسم الخطوط الحمراء الفاصلة بين إعداد أجيال وطنية فلسطينية لخوض ميادين النضال في كل المسارات المشروعة، وبين زج أطفالنا وفتياننا في ميادين مواجهات وصدام مع الاحتلال يكاد الراشد لا يأمن على حياته من شدة مخاطرها على حياته، فجنود الاحتلال لا يفرقون بين كبير وصغير خاصة عندما يجن جنونهم، فالفلسطيني الأفضل بالنسبة اليهم هو الميت أو الجريح أو المعاق، وقد يكون الطفل أو الفتى الهدف الأنسب لاختبار دقة تصويبهم. 
نحن نربي أطفالنا من الجنسين، أشبالنا وزهراتنا وننشئهم على الانتماء والولاء وحب الوطن وافتدائه بالعلم والمعرفة  والعمل الصالح والسلوك الحسن، ونهيئهم لافتدائه بالروح والدم عند بلوغهم سن تحمل المسؤولية وإدراك متطلبات المواجهة الميدانية وتحديدا في خضم مسار المقاومة الشعبية السلمية، ونعلم أطفالنا أدوارًا عملية لا تشكل خطرًا على حياتهم، لكن وطنيتنا وحرصنا على ألا نتهور ونهبط بمستوى انسانيتنا لا نستخدمهم كأرقام أو حملة رايات ويافطات وعجلات، فهذه مهمات صعبة قد تصعب على من هم في سن الشباب، لذا لا يحق لأحد تحت أي مبرر زجهم في أتون محارق جنود جيش منظومة الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين المهووسين بسفك دماء الانسان الفلسطيني. 
تقضي قيمنا الأخلاقية وتقر علينا مسؤولية حماية أطفالنا، وليس زجهم  في ميادين الاعتصامات والمظاهرات أو حتى المواجهات العنيفة أو السماح لهم بالاقتراب من ميادين فيها مظاهر مسلحة، فنحن نكافح من أجل حريتهم وكرامتهم  ومستقبلهم، وليس من أجل حملهم في نعوش على أكتافنا.  

هو الجهل بعينه، وتعارض مع قيم حركة التحرر الوطنية، واستهتار بحياة الانسان وكرامته حشر الأطفال  بين نيران عسكر الاحتلال وسموم الغازات المسيلة الحارقة للعيون والرئات وكذلك زخات الرصاص الحي، وبين حجارة الشباب الذين يشاغلون جنود الاحتلال بالحجارة ولهب العجلات المحروقة، فالطفل  الفلسطيني ليس بحاجة لدروس عملية  سنسميها (مناورات) حتى يتعلم الوطنية أو يعرف واجباته عندما يكبر ويصبح شديد البأس، ففي حياته اليومية ومشاهداته عن بعد إلى جانب التربية الوطنية ما يكفي ليأخذ دوره الطبيعي في مواقع  يرى نفسه قادرًا على الإبداع فيها.
لا يجوز أيضًا إقحام الطفولة في ميادين الصراعات السياسية مهما كان الإجماع على شرعيتها، إذ لا تفسير لصورة يافطة  على رأس رضيع أو بيد طفل مكانه اللعب في الروضة أو مقعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، وتضخيم ذاكرتهم بأحداث دموية، تؤثر سلبا على طفولتهم البريئة، ولعل مراجعة سريعة لأرشيف الصور الفلسطينية ستبين لنا حجم الخطيئة التي ارتكبناها بحق أطفالنا.
لا يوزع جنود الاحتلال في ميادين المواجهات وعند الحواجز العسكرية الحلوى على المتظاهرين، وإنما الرصاص بأنواعه، والقنابل الحارقة الصوتية والغازية، كما أن المتظاهرين الفلسطينيين لا يوزعون الزهور على الجنود القتلة، فهنا خطر الموت لا يوفر طفلاً ولا شابًا ولا امرأة ولا رجلاً، ويجب ألا يغيب عن بال الآباء والأمهات حماية فلذات أكبادهم، وألا يكابروا ويسمحوا لصغارهم الدخول الى دائرة الموت العبثي.
إن الذي يعمل على (تحميس) الأطفال وحشدهم في فعاليات جماهيرية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين المسلحين، يعتبر كمن يضعهم عند فوهة بركان تبدو احتمالات النجاة من شظاياه ولهبه ضئيلة جدا..لذا فقد آن الأوان لإصدار قرارات تنظيمية وقوانين رسمية تعاقب كل مستخدم للأطفال في ميادين المواجهات  الخطيرة، وكل من لا يتخذ إجراءات مشددة لمنع ولوج الأطفال إلى مركزها.
آن الأوان لتتحرر قيادات أحزاب وفصائل وجماعات وتنظيمات من عقلية عدم الاكتراث بصحة أطفالنا النفسية والامتناع عن استغلال الأطفال وتحميلهم البيارق، والكف عن الحديث والدعاية عن الأطفال ضحايا إرهاب جنود الاحتلال والمستوطنين وتصويرهم كأبطال وزعماء وكأنهم مقاتلون محترفون!! فمن ابتغى الحرية والاستقلال عليه حماية الطفولة، وإلا فإن التاريخ سيحاسبه إن لم يحاسبه وعي الشعب كمحترف استغلال لدماء الانسان الفلسطيني، يسعى لكسب مسمى ما حتى لو كان على حساب دماء أطفالنا، ووضع صورته كبطل في إطار مصنوع من عظامهم فنحن يكفينا أن الطفولة الفلسطينية عرضة للاغتيال وموضوعة في دائرة استهداف الاحتلال، فهل يعقل أن نقدمها لهم على طبق من ذهب؟!