من بين المسائل الملفتة للنظر في انتخابات الرئاسة الأميركية الأكثر إثارة، هو الدور الذي لعبته الجالية الفلسطينية الأميركية بغض النظر عن عددها الصغير نسبيًا. فللمرة الأولى يلاحظ انتقال هذه الجالية من الحالة السلبية إلى حالة القوة والتأثير، لذلك كان لها دور ملموس في هذه الانتخابات الذي اشتد فيها التنافس بين المرشح الجمهوري الرئيس ترامب، والمرشح الديمقراطي جو بايدن حتى الصوت الآخير.
وقبل أن  ندخل في الأسباب لهذا الانتقال الهام، لابد من الإشارة إلى أن هذه الجالية للمرة الاولى، وبشكل واضح تتصرف كمجموعة ضغط منظمة تدرك مصالحها وتحدد أهدافها وتعرف ما تريد. كما أنها تدرك حجمها ومدى تأثيرها،  لذلك هي قامت بصياغة تحالفات مع مجموعات تتفق معها بهذا القدر او ذاك بالمصالح والأهداف من أجل مضاعفة تأثيرها. صحيح أن هذا التحول المهم لا يزال في بدايته، إلا أن تأثير أصوات الجالية كان مؤثرًا خصوصًا في بعض الولايات مثل ميتشيغن وبنسلفينيا، وأن المهم في هذه التجربة هو أن تستمر وتواصل تنظيم نفسها وتطور  من مأسسة نفسها وتكون  تواجدًا فاعلاً في العاصمة الفدرالية واشنطن حيث مركز القرارين التنفيذي والتشريعي الأمريكي.
أما عن أسباب التحول، فيعود إلى عوامل تاريخية، وأخرى راهنة بل وطارئة، العوامل التاريخية هي وجود أجيال قديمة في الجالية الفلسطينية ذهبت للولايات المتحدة في مراحل مختلفة من القرن العشرين، الأمر الذي يعني أن أبناء هؤلاء قد اصبحوا مندمجين في المجتمع الأمريكي وفي تركيبته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تمامًا. وبالتالي أصبحوا مؤهلين وعارفين باساليب العمل وطرق التأثير، والدليل قدرتهم على إيصال عضو إلى مجلس النواب الأمريكي.
وبخصوص العوامل الراهنة. فهي تتعلق بإدارة الرئيس ترامب المحافظ جدًا والكاره للأقليات والهجرة. بالإضافة إلى موقفه السيئ من الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. فهذا الرئيس تصرف وكأن تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية هدف رئيسي له، ومارس واتخذ كل القرارات التي من شأنها أن تقود إلى تحقيق هذا  الهدف. لذلك فان الشعور بالظلم الشديد، وفكرة ضياع القضية الفلسطينية كان من وراء هذا التحول المهم جدًا، والذي تجسد بنسبة 80%  ممن لهم حق التصويت في الجالية، وهي نسبة مرتفعة جدًا وكان لها تأثير ملموس كما ذكر  في ترجيح كفة المرشح الديمقراطي بايدن في أكثر من ولاية، وهو المرشح الذي رأت فيه الجالية بأنه أقل خطرًا على القضية الفلسطينية. ولديه امكانية اكبر لتلبية بعض مصالح الحالية الفلسطينية والعربية.
نحن اليوم أمام بداية رائعة. بالقياس لحجم الجالية، لذلك  هي تستحق كل ثناء من الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية التي تراقب عن كثب هذا التحول التاريخي. ليكون في ذلك دروس وعبر من أجل مزيد من التطوير والتأثير .