يبدو أن فرص بايدن في الفوز في الانتخابات هي الأفضل، فهو يتقدم في غالبية الولايات المتأرجحة مثل أريزونا ونيفادا، كما أنه يقلص الفارق بينه وبين ترامب المرشح الجمهوري في الولايات المتأرجة التي تقدم فيها الجمهوريون مثل بنسلفانيا وجورجيا. ومع اقتراب مرحلة نهاية فرز الاصوات لمغلفات البريد، يتجلى أن المرشح الديمقراطي بايدن سيفوز حتمًا في الانتخابات، فانه يكفيه للوصول إلى الرقم السحري 270 صوتًا في المجمع الانتخابي أصوات نيفادا الست. في هذه الاثناء يثير الجمهوريون عاصفة من التشكيك والطعن في عملية فرز الأصوات، وقد صرح مرشحهم ترامب بأنه "الفائز في الانتخابات إذا ما تم التوقف عن فرز الأصوات غير القانونية" حسب تعبيره. كما أشار مدير حملته الانتخابية بيل ستيبين إلى أن الولايات لا تلتزم بأحقية المراقبين من الحزب الجمهوري في التأكد من فرز كل بطاقة بسبب مسافة البعد التي تفرضها على المراقبين. ومن جانب آخر، تثير هذه التصريحات الجمهورية موجة من التشكيك والطعن في تزوير الانتخابات لم تنتهِ إلى حد الآن، حيث رفع الجمهوريون قضايا في محاكم الولايات وفي محكمة العدل العليا، أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، تطعن هذه القضايا بنتائج فرز الاصوات المتحصلة عبر البريد وتطالب بتوقف فرزها لأنها متأخرة عن موعد نهاية الانتخابات وهو الثالث من نوفمبر الجاري.

وفي ظل هذه التداعيات التي تجعل المشهد الانتخابي الأميركي مشهدا متأزما وغير مسبوق، يمكن ملاحظة بعض الظواهر التي تجعلنا نؤكد على أن الديمقراطية في الولايات المتحدة تتعرض لجملة من التشويهات التي ستغير مفهوم الليبرالية على الصعيد النظري والعملي في هذا البلد الذي يتباهي بكون الديمقراطية فيه راسخة عمرها أكثر من 350 عامًا. وهذه التداعيات يمكن حصرها في الظواهر التالية:

1- انتشار خطاب الكراهية في الشارع الأميركي عامة ولدى النخب السياسية والمثقفة الأميركية بشكل خاص. حيث انتشرت عبارات السب والقذف والاتهامات المتبادلة. ولم يعد الحديث عن حماية الديمقراطية بقدر ما أصبح الحديث عن تقزيم الآخر واتهامه بالشر، والآخر بالضرورة هو نصف المجتمع الاميركي أيّا كان ديمقراطيًا أم جمهوريًا.

2- ظهور مظاهر الانقسام الحاد في المجتمع الأميركي. والمجتمع الأميركي بشكل عام يعتبر مجتمعا متجانسًا في القيم والغايات. وحتى الفروقات الايديولوجية بين الحزبين الكبيرين؛ الجمهوري والديمقراطي، لا ترتقي إلى مستوى الانقسامات الايديولوجية الحادة. إلا أنه مع مرحلة التسابق في المعركة الانتخابية بات واضحًا للمراقبين بأننا نشاهد صراعات حزبية أيديولوجية حادة بين المحافظين والديمقراطيين. وأن هذه الانقسامات التي يغذيها خطاب الكراهية للرئيس ترامب لن تنتهي بمجرد انتهاء السباق الى البيت الابيض.

3- تقلص مساحة التسامح في الخطاب السياسي الأميركي. وعلى خلاف خطابات بايدن التي تتحدث عن أهمية وحدة الشعب بعد الانتخابات، الا أن عدم قبول ترامب بنتائج الفرز واعتبار نفسه فائزًا في الانتخابات حتى مع تراجع حظوظه في الفوز، لا يمكن اعتبار ذلك إلا إصرارًا منه على عدم الرغبة في تسليم السلطة، وعلى رغبته في الاستمرار في عدم قبول النتائج من خلال توجهه للمحاكم، وربما إذا فشلت هذه الدعاوى سيتم التوجه إلى تصعيد التظاهرات الشعبية.

4- تنامي المخاوف الجدية من اتساع مظاهر العنف الرافضة لنتائج الانتخابات، هذه المظاهر بدأنا بملاحظتها عندما توجه الآلاف من مؤيدي ترامب خلال الليلتين السابقتين إلى مراكز فرز الأصوات مطالبين بتوقف هذه العملية استجابة على ما يبدو لتحريضات ترامب المتكررة. في هذا السياق، تشير بعض الاخبار إلى أن بعض الجماعات اليمينية المؤيدة لترامب مثل حركة "باتريوت براير"، تتورط منذ عدة أسابيع في أعمال عنف ضد المتظاهرين المناهضين للعنصرية في بورتلاند في ولاية أوريغون شمال غرب الولايات المتحدة. وتؤكد بعض المشاهدات القريبة من هذه التظاهرات أن البعض فيها كان يحمل سلاحًا، إضافة إلى الدعوات التي ترددها برفض النتائج ومعاداة الاعلام المتحيز للديمقراطيين على حد تعبيرهم.

يشرح الكاتب الصحفي محمد ابو الفضل خطورة "الترامبية" على الديمقراطية الأميركية قائلاً: "اشتمل خطاب ترامب في حملته على عبارات تشير إلى عمق الفوضى، مثل: تصويت الموتى، وتلاعب في الفرز، وحرق بطاقات تصويت، وتغيير في النتائج، وتهديد باستخدام العنف". وبالضرورة، يمكن لنا الوصول الى نتيجة هامة من التحليل السابق؛ وهي أن هذه المظاهر تعتبر جديدة على الشعب الاميركي وعلى ديمقراطيته الراسخة، لا سيما أنها تتسم بالحدية والتعصب من جهة، كما أنها تتسم بشمولها على مركبات يمينية ومتطرفة وارهابية مثل جماعة النازيون الجدد وجماعة "Proud boys" والتي تجد في أفكار ترامب المتطرفة والعنصرية إلهاما لأنشطتها وبرامجها. وربما توجه هذه الجماعات اليمينية غضبها ضد المدنيين وتؤدي مثل هذه الاعمال إلى تنامي الارهاب وعدم الاستقرار وربما إلى الانقسام، وهو الأمر الذي سيعرض النظرية الديمقراطية والممارسة الليبرالية لها في الولايات المتحدة إلى الخطر في مرحلة ما بعد ترامب.