يعلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفضنا القاطع لخطته (صفقة القرن) التي استبقها الاعلان بحملات ارهاب معنوي ومادي وحصار سياسي ومالي، وقرارات أقل ما يقال فيها إنها انعكاس لمخطط استعماري جديد يستهدف الوطن العربي انطلاقا من القدس عاصمة فلسطين التاريخية والطبيعية، وأنها المرحلة الثانية من مخطط ترسيخ الوجود الاستعماري بعد مئة عام على وعد بلفور الذي منح ليهود اوروبا وطنا في فلسطين العربية لتكون قاعدة متقدمة لبريطانيا العظمى في منطقة غنية بالثروات والموارد، ولضمان السيطرة على الممرات الاستراتيجية، أما ترامب الذي أصدر قرار اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري (اسرائيل الناقصة) وأشهره متفاخرا، واعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة في حكم المنتهية، واعتبر الاستيطان اليهودي في أراضي فلسطين المحتلة في حرب حزيران من العام 1967 شرعيا، فإنه أراد بهذه القرارات تثبيت أركان أكبر قاعدة استعمارية في العالم، تحظى بعلم واسم دولة وبمقعد في الأمم المتحدة، كل ذلك بعد أن هيأت ادارته شروط الضعف والتشرذم والتبعية والانقسامات والحروب الداخلية والصراعات الفئوية والمذهبية والطائفية ليس في محيطها وحسب، بل حتى في الدوائر القريبة والبعيدة نسبيا ذات التأثير المباشر على الصراع معها.

صفقة القرن خطة بلفور الثاني دونالد ترامب المكتوبة التي وفق بنودها ستنفذها ادارته حربا وعدوانا كشريك مع اركان دولة الاحتلال اسرائيل هي (جريمة حرب) بكل ما تعنيه هذه الكلمة في القانون الدولي، يحق لقيادة الشعب الفلسطيني مقاضاة صاحبها ومنفذيها على الأرض في محكمة العدل العليا، وفي محكمة الجنايات الدولية، فقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لدولة اسرائيل وهي القوة القائمة بالاحتلال تعني شراكة في التغيير الديمغرافي الذي يعتبر حسب نصوص القانون الدولي جريمة حرب.. أما سفارته التي ستبنى على أرض فلسطينية محتلة فإنها ليست أكثر من مستوطنة مخالفة للقانون الدولي أو ثكنة عسكرية استعمارية ينطبق عليها ما ينطبق على منشآت القوة القائمة بالاحتلال.. لكن ليس بمنهج النضال في ميادين القانون الدولي والسياسي والدبلوماسي وحسب سننتصر، بل سنردف هذه الميادين، بجبهات مقاومة شعبية سلمية أوسع وأشمل، وانفكاك عن نظام الاحتلال الاسرائيلي، ومقاطعة يجب تنظيمها والعمل عليها مع الأحرار في العالم لتطال مصالح ادارة ترامب أينما وجدت.

يستطيع دونالد ترامب إصدار ما يشاء من قرارات وتعميمات بخصوص رؤية ادارته المتجهة نحو شرعنة الاستيطان اليهودي الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 لكنه لا يستطيع الغاء حقيقتين من الوجود أولهما: أن أرض فلسطين تاريخيا وطبيعيا هي أرض الشعب الفلسطيني، وأن الحقيقة التي ستبقى على هذه الأرض فلسطينية رغم تراكم مخلفات الحملات الاستعمارية، أما الحقيقة الأخرى فهي أن كل دول العالم، وكل شعوب الدنيا منسجمة أخلاقيا بمواقفها مع نصوص القوانين الدولية ومواثيقها، التي تعتبر الاستيطان جريمة حرب، لكونه تغييرا ديمغرافيا، أي احلال سكان تابعين للدولة القائمة بالاحتلال بعد طرد وتشريد وتهجير السكان الأصليين (الفلسطينيين) تحت التهديد بالقتل والعنف بقصد الاستيلاء على بيوتهم ومواردهم وموارد اجيالهم من بعدهم.

لا يمكن لترامب إدراك معنى الوطن كما يدركه أي فلسطيني مازال صامدا في أرض وطنه فلسطين التاريخية والطبيعية، وكذلك الفلسطيني اللاجئ والموجود في أي مكان في العالم، ذلك أن ترامب من سلالة غزاة تركوا بلادهم الأصلية طمعا ببلاد وثروات بلاد الهنود الحمر، يبقى مدفوعا بنزعة سيطرة بلا حدود مادام الأمر في مجال قدراته المادية، أما الفلسطيني الصامد واللاجئ على حد سواء فإنه بقي في موطنه وغادرت بعد انهزام الغزوات المتتابعة التي دام بعضها قرونا، حتى الذي اضطر للجوء فإنه حمل وطنه في قلبه وعقله، حتى باتت فلسطين أكبر من حدودها الجغرافية وباتت قضيتها مركز قضايا العالم، وما حق العودة الذي يتمسك به الفلسطيني إلا تمسك طبيعي لأي إنسان بالحياة وحرصه عليها ويتمنى لو قدر له العيش مدى الزمان، لذا فلا يمكن لترامب إنهاء قضية اللاجئين، حتى لو استطاع اقتلاع كل شجر ونبت من جذوره من عمق الأرض، ونضح المياه في بحار وأنهار الدنيا كافة وصبها في كوكب المريخ، فإن كانت الكواكب تسير لمستقر لها فإن الفلسطيني اللاجئ لا مستقر له ولا وطن إلا فلسطين وسيرجع اليها حتى ولو بعد حين.

صفقة القرن ماتت بضربة الشعب الفلسطيني القاضية التي وجهها بشجاعة وكبرياء رئيس هذا الشعب العظيم وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس أبو مازن.. ولمن يريد التأكد عليه البحث عن رميم عظامها في أدراج الورشة الأميركية في المنامة، فدونالد ترامب لا يستطيع إحياء خطته، فلا هو القدير ولا نحن من يسلم للظالم قدره وحقه، مهما بلغ جبروته.